الموقف الثاني: وهو موقف الرفض لهذه الشريعة والإباء والاستكبار عنها، وهو أولاًَ: شعور وعقد بالقلب، يدل عليه في نظر الناس فعلٌ أو قولٌ يُنبئ ويعبِّر عن هذا الشعور الموجود في القلب أيضاً, فمثلاً المعصية التي مثلت لكم بها قبل قليل، والتي يفعلها الإنسان المسلم، فتكون معصية يثوب ويتوب منها، قد يفعلها الإنسان بطريقة أخرى، تدل على خلو قلبه من الإيمان بالكلية، وأنه قد استحل هذه المعصية استحلالاً تاماً، ولنضرب مثلاً على ذلك: قد يقع المسلم في الزنا فحال ما يواقِع هذه المعصية، وتنتهي هذه اللذائذ العاجلة، يبدأ الهمُّ والحزن في قلبه، ويبدأ التوبيخ في ضميره يقلقه ويقض مضجعه ليل نهار، فيستغفر الله ويتوب من فعله ولا يواقعه مرة أخرى، وهكذا شأن المؤمن، لكن قد يقع إنسان آخر يدعي الإسلام في هذه المعصية أيضاً، ولكن يكون موقفه من المعصية بعد وقوعه فيها موقفاً آخر مختلفاً عن موقف ذلك المسلم، فتجد هذا المواقع للزنى يفتخر بفعلته في المجالس ويعتبر هذا الفعل نوعاً من كمال الرجولة والفتوة، وربما اعتبر مَن لا يقع في مثل فعله قاصر الرجولة، بل وتجد مثل هذا الإنسان المنسلخ عن الدين بالكلية يسجل أفعاله في قصائد فينشرها بين الناس، بل وربما سجل قصائده في أشرطة ينشرها بين المسلمين، ويفسد بها أجيالهم، ولا يتوب منها، ولا يشعر بجُرمه أو قبح فعله!! فمثل هذا هل تعتبرونه مؤمناً بقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] ؟! هل تعتبرون مثل هذا الإنسان الذي يظهر من حاله الاستخفاف والاستحلال وعدم المبالاة بقول الله وقول رسوله؛ هل تعتبرونه مؤمناً بقوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) ؟! أقول: لا لو كان مؤمناً لما افتخر بفعلته، ولما اعتبرها من خصال الرجولة والفتوة والكمال، ولما وصم من لم يفعلها بنقص الرجولة والقوة، ولما كتب القصائد التي يتغنى فيها بأفعال اللواطة والزنا، ويمدح فاعليها ويتغزل بأهلها! ولما سجل هذه القصائد على أشرطة، ووزعها بين الناس، فأفعاله كلها تدل على أن وراء هذا الفعل الذي هو الزنا قلباً خرباً غير مؤمن بالله ولا رسوله ولا منقادٍ لأمر الله ورسوله! وها هنا يظهر لك جلياً أن الموقف الثاني: وهو موقف المتنكر لشرع الله الرافض لحكمه المستكبر على الانقياد، هذا الموقف عقدٌ بالقلب، يترجم أيضاً في صورة أعمال، وهذه الأعمال قد تكون كفراً لا شك فيه كالسجود لصنم، أو سب الله ورسوله، أو إهانة القرآن، وقد تكون في الأصل ليست كفراً، ولكنها صارت كفراً لما لابسها من القرائن الدالة على الاستخفاف والاستحلال وعدم المبالاة وعدم الإيمان بأصل الحكم.
ومثل هذا الإنسان لا نقول عنه: إنه فاسق أو عاصٍ، بل نقول: إنه مشرك؛ لأن القضية تعدت المعصية، وأصبحت نوعاً من التدخل في الحكم والتشريع، فهو قد عَدَلَ نفسه بالله عز وجل؛ فالله يقول عن الزنا: ((ِ إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] وهو يقول غير ذلك، الله يحرم وهو يحل! إذاً هو قد جعل نفسه نِدّاً لله عز وجل، أو جعل غيره ممن أطاعه في هذا التحليل وفي هذا العمل وفي هذا المدح - جعل هذا الغير نِدّاً لله عز وجل، وهذا هو الشرك؛ لأن الله عز وجل وصف المشركين بقوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] أي: يجعلونه شريكاً وعديلاً ونداً لله كما ذكره: مجاهد والسدي وغيرهما من أئمة المفسرين، فمن عَدَلَ بالله عز وجل غيرَه في أي أمر مِن الأمور فقد اتخذه نداً وعبده مع الله أو من دونه.