الوجه الثاني: أن نقول: إن الشريعة الإسلامية جاءت بقواعد عامة وقضايا كلية، يدخل فيها أنواعٌ وأفراد كثيرة، وتدل دلالة طردية كما تدل دلالة عكسية، والمثال يوضح هذا فمثلاً: الحديث الذي رواه البخاري، ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وفي رواية: مسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} هذا الحديث جاء بقاعدة عامة وقضية كلية تشمل أفراداً وأنواعاً لا تتناهى من البدع والمحدثات، فتدخل فيها أنواع البدع القولية والفعلية مما أحدثه الناس على غير شرع الله، وقصدوا فيه التعبد والتقرب إلى الله جل وعلا بفعله، كما تدخل فيه أفراد البدع القولية والفعلية مثل دعاء الله سبحانه وتعالى وذكره، مثل ذكر الله بالاسم المفرد أو بالضمير، كما يفعل الصوفية حين يذكرون الله فيقولون: الله الله، أو يكتفون بالضمير فيقولون: هو هو، فنقول هذه الصورة من الذكر داخلة تحت عموم الحديث الذي يقول: {مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} ، وإن لم يأت نصٌ نبوي وقرآنيٌ بتحريم الذكر بهذه الصيغة، فإننا نقول: إن هذا الحديث العام دل على تحريمها بعمومه، ولا نحتاج مع ذلك إلى نص خاص في هذه القضية بعينها.
إذاً، دل هذا الحديث بعمومه على منع البدع والمحدثات القولية والفعلية والاعتقادية، ودل على تحريم جميع أفراد هذه البدع، ودلالته على هذه الأشياء هي دلالة طردية؛ لأن هذا هو المعنى المباشر للحديث، ولكن الحديث أيضاً يدل دلالة عكسية على أن العمل المقبول هو ما شرعه الله عز وجل؛ وجاء وِفْقَ القرآن والسنة بعد انضمام الإخلاص والنية الصالحة إلى ذلك.
فما دام كل عمل ليس عليه أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو رد، إذاً فالعمل الذي يقبل هو ما كان عليه أمر الله وأمر رسوله، وهذه القضية التي فهمناها من الحديث فهماً عكسياً -كما قلت من مفهوم العكس- جاءت نصوص كثيرة تدل عليها دلالة طردية صحيحة، لكنني أردت فقط أن أبين ما معنى الدلالة الطردية والدلالة العكسية.
إذاً، فالوجه الثاني الذي يبين شمول الشريعة وكمالها أن نقول: إن الشريعة جاءت بقواعد كلية وقضايا عامة تدخل تحتها أنواع وأفراد كثيرة.