المسألة الثانية: هي أن الأصل في المجتمعات الإسلامية، الالتزام بالمعروف، بطاعة الله والتباعد عن المنكر، عن معصية الله وعن الإساءة إلى عباده، فالمسلمون ما صاروا مسلمين؛ إلا لأنهم وحدوا الله عز وجل وأفردوه بالعبادة، ووحدوا رسوله صلى الله عليه وسلم بالطاعة والإتباع والرسالة، فهم يؤمنون بالله عز وجل وحده، ويؤمنون بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن طاعة الأنبياء غيره فيما نسخ بالإسلام لا تجوز، فكيف بطاعة غير الأنبياء من البشر من أهل القوانين، ومن أهل النظريات والأقوال المخالفة للكتاب والسنة؛ فلذلك سمي المسلمون مسلمين.
فالأصل أن المجتمع المسلم ملتزم بطاعة الله، متباعد عن معصية الله؛ ولذلك فما عرفه المسلمون الحقيقيون فهو معروف، وما أنكره المسلمون الحقيقيون فهو منكر؛ ولذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح]] وهو يعني بالمسلمين أهل الصدق والاتباع، من الذين جمعوا بين العلم والتجرد والإخلاص، ولذلك فما عمله الصحابة رضي الله عنهم وأجمعوا عليه، فهو حجة على المسلمين إلى قيام الساعة، بإجماع العلماء، فإجماع الصحابة، حجة بين الله وبين عباده بإجماع أهل العلم؛ لأن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين العلم الصحيح المتلقى من الكتاب والسنة، وجمعوا بين الإخلاص والتجرد، فلم يتلوثوا بالأهواء والآراء المخالفة، فكانوا فيما أجمعوا عليه حجة بين الله وبين عباده بإجماع المسلمين.
وكذلك ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى حجية عمل أهل المدينة، فقال: [[إن عمل أهل المدينة في القرن الأول حجة]] ؛ ذلك لأن أهل المدينة كانوا في ذلك القرن، متبعين لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، بخلاف بقية الأمصار التي وجد فيها من الآراء، ومن تأثيرات الأمراء وأوامرهم ما قد يخالف السنة.
إذاً: الأصل أن المسلمين الحقيقيين يعرفون المعروف وينكرون المنكر، فما رأوه معروفاً، فهو معروف مما تشهد له دلائل الكتاب والسنة، وما رأوه منكراً، فهو منكر مما تشهد دلائل الكتاب والسنة على إنكاره.