الشرع هو مصدر تحديد المعروف والمنكر

الأمر الأول: أن الأصل في تحديد المعروف والمنكر، هو الشرع، فما جاء الشرع بالأمر به فهو معروف، وما جاء الشرع بالنهي عنه فهو منكر، وليس المرجع في تحديد المعروف والمنكر إلى عرف الناس، وعادات الناس وتقاليد المجتمع، فإن أعراف الناس تختلف من وقت إلى آخر، فما كان معروفاً ومشتهراً ومقبولاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، قد يصبح منكراً في بعض المجتمعات المنحرفة؛ لأن الناس لم يعتادوه، فيستوحشون منه ويستغربونه، وحتى في بعض المجتمعات التي يوجد فيها تدين وصلاح، قد تخفى عليهم كثير من السنن والمستحبات، بل وكثير من الواجبات فيستغربونها ويستنكرونها.

فالناس يستغربون اليوم -مثلاً- تقصير الثوب، مع أن الثابت بسنة النبي صلى الله عليه وسلم تقصير الثياب إلى أسفل من الركبة بأربعة أصابع، فإن لم يمكن بأربعة أصابع، فإلى نصف الساق، فإن لم يمكن فإلى ما فوق الكعبين، ولا حظ للكعبين في الإزار، ومع أن هذا أمر ثابت بالسنة فإن كثيراً من المجتمعات التي شاع فيها إسبال الثياب -مثلاً- قد تستغرب تقصير الثوب، ورفعه إلى موضعه المشروع في السنة، لا تستغربه؛ لأنه أمر لم يرد في الشرع، وإنما تستغربه؛ لأنها لم تتعود عليه؛ لأنها تجهله، ومن جهل شيئاً أنكره وعاداه.

وفي كثير من المجتمعات التي درجت النساء فيها على التبرج والسفور، وإظهار المرأة لمفاتنها ومحاسنها، يستغربون ظهور المرأة المحجبة أشد الاستغراب، ومنهم من يرمي المرأة المسلمة المتحجبة بالحجاب الشرعي بأسوأ الألقاب، فيقولون -كما قد تكونون سمعتم- إن هذه المرأة تمشي وكأنها خيمة، يسخرون بها لما يرون عليها من اللباس، مع أن هذا اللباس، لباس مشروع، وثابت بالقرآن والسنة؛ ولكن لأنهم لم يتعودوا عليه جهلوه وأنكروه، فصار في عرفهم منكراً، مع أنه في عرف الشارع معروف.

ومنهم من يقول: إن هذه المرأة قبيحة فتستر دمامتها بهذه الثياب.

إذاً فالمرجع في تحديد المعروف والمنكر إلى ماذا؟ المرجع في تحديد المعروف والمنكر إلى الشرع، إلى القرآن والسنة، لا إلى عرف الناس فإن أعراف الناس تختلف، وقد يصبح المعروف عندهم منكراً ويصبح المنكر عندهم معروفاً؛ لجهلهم بالقرآن والسنة وبعدهم عن الالتزام الصحيح بمدلولاتهما، هذه هي المسألة الأولى التي ينبغي أن نتأملها من خلال تعريفنا للمعروف وللمنكر، حيث إن المعروف ما عرف بالشرع والعقل حُسْنه، مما يحبه الله ويرضاه من طاعة الله والإحسان إلى عباده، أما المنكر فهو ضده مما عرف بالشرع والعقل قبحه من معصية الله والإساءة إلى عباده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015