وأريد أن أشير إلى تحذير مهم -والكلام فيه يطول، لكن يجهله الكثيرون؛ ولذلك لا بد من التنبيه عليه- وهو أن كثيراً من الناس يظنون أنك لا تأمر بالمعروف، إلا إذا كنت قد فعلته، ولا تنهى عن المنكر، إلا إذا كنت اجتنبته، وهذا غلط، بل الصحيح الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة، وربما إجماع العلماء أن الإنسان يجب عليه أن يأمر بالمعروف ولو كان مقصراً فيه، ويجب أن ينهى عن المنكر ولو كان واقعاً فيه، حتى قال بعض حذاق أهل العلم: حق على من يتعاطون الكئوس أن ينهى بعضهم بعضاً.
فكوني وقعت في خطأ لا يبرر الوقوع في خطأ آخر، وهو ألا أنهى عن المنكر.
الشرط الوحيد: هو أن يكون نهيي عن المنكر، وأمري بالمعروف بصدق، وليس على سبيل الخداع والنفاق والتضليل وأن أظهر للناس أنني داعية، وأنا لست كذلك -هذا هو المهم- فإذا كنت آمر بصدق هنا لا بأس، ولو فرض أنني أخطأت، فخطئي عليَّ، وأحاسب عليه، لكن هذا لا يسوغ لي ألا آمر ولا أنهى، فعليك أن تأمر ولدك وتنهاه ولو كنت واقعاً فيه.
افترض إنساناً ابتلي بالتدخين، ووجد ولده يدخن، لا يقول: لا أنهاه فأنا واقع، لا، بل تنهاه، وتقول له: يا ولدي أنا جربت والآن ربما يصعب علي التراجع لكن أنت في بداية الطريق أقلع، وقل مثل ذلك في أي معصية، فهو مسئول عمن تحت يده، وهو المسئول عن جوره، وظلمه على نفسه، قد يكون يتعاطى الخمر، والمخدرات، والفواحش، ولكن هذا لا يبيح له بحال أن يأذن لمن تحته بحجة أنني واقع، ولا يمكن أن أنهى غيري وأنا قد وقعت، إلى غير ذلك، فوقوع الإنسان في معصية لا يبرر له أبداً، وينبغي ألا يكون هذا موضع شكٍ عند أحد منكم، لا يبرر له ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد بعض الناس يفهمون قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2] وقوله عن بني إسرائيل: {أَتَأْمرونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] يفهمونها على غير وجهها، والكلام عن هذه النقطة فيه تفصيل ليس هذا مجاله، بل سبق الحديث عنه في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنها ملاحظة أحببت أن أشير إليها.