العدل في التعامل مع الخلاف

وهناك -في الحقيقة- ألوان أخرى من العدل لعلي أتركها، وأكتفي بالصورة الأخيرة من العدل، وهي: العدل في التعامل مع الخلاف، وهذه من أهم القضايا، فالخلاف واقع لا محالة؛ وبعض الناس نظراً لكثرة الخلاف، تجد بعض الدعاة إلى الله جل وعلا يقول لك: دع المسلمين مهما كانت ألوانهم، وعقائدهم، واتجاهاتهم، ومللهم، ونحلهم، يجتمعون على أمر واحد، ولا يعنينا اختلافهم، فيرضى بأن يجتمع أهل البدع، والضلالات، والانحرافات الغليظة والقريبة والبعيدة ليقوموا بعمل ما، وهذا في الواقع ليس من العدل؛ لأن من هؤلاء من يكونون مجرمين، والله تعالى يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم:35] ومن هؤلاء مبتدعة، ومنهم غلاة، ومنهم من تصل الأحوال بهم إلى حد البدعة المكفرة.

وفي مقابل ذلك قد تجد من الناس من يبالغ في قضية منع الخلاف، حتى يريد من الناس أن يجتمعوا ويوافقوه حتى في اجتهادات شخصية فردية له، ربما لم يوافقه عليها أحد، لكن يريد أن يوافقه الناس على ما يرى، وإلا لا يأبه بهم ولا يقيم لهم وزناً، والعدل في ذلك أن تقبل الخلاف فيما يجوز الخلاف فيه: في موضوع الوسائل، في موضوع الاجتهادات التي تحدث للدعوة، في الفرعيات وما يتعلق بالأحكام، في أمور اختلف فيها العلماء السابقون، يسع فيها الاختلاف ما دام فيها الاختلاف مبنياً على الدليل، وعلى الاجتهاد حسب ما فهم الإنسان من الكتاب والسنة، وليس لمجرد الهوى، والتشهي، والرغبة الشخصية.

وإن خالفت هذا الإنسان، فإنني أقبل أن أتعاون معه على البر والتقوى، ولو كنت مختلفاً معه في بعض الأمور، فالعدل في التفاهم، والتعامل مع الخلاف هو من أهم وألزم الأشياء للدعاة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015