إشارات في رحمة الله لهذه الأمة

الوقفة الخامسة: وهي إشارة إلى رحمة الله جل وعلا بهذه الأمة، وهذه الرحمة ظاهرة جداً؛ من خلال أحاديث كثيرة وآيات؛ وأكتفي منها بالحديث الذي ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم: {سجد وبكى فأرسل الله عز وجل جبريل يقول له: وهو سبحانه وتعالى أعلم سله ما يبكيك، فقال: ما يبكيك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمتي أمتي، فذهب جبريل إلى رب العزة جل وعلا، وأخبره -وهو تبارك وتعالى أعلم- فقال الله جل وعلا: قل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك} .

ولذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث إلى بعض الخصائص، ِمنها: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس وهو في الصحيح: {أن من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة، وإن همَّ بها فعملها كتبت عليه سيئة واحدة} والمقصود من تركها لوجه الله وليس من تركها عجزاً، فهذا تكتب عليه سيئة لو تركها عجزاً، وكذلك أخبر الله عز وجل أن الحسنة بعشر أمثالها، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أشار إلى أنه أعطي الشفاعة، والشفاعة التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم ستة أنواع: أولها: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف في فصل القضاء، حين يأتون إلى الأنبياء آدم ومن دونه فيعتذرون ويردونهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيلبي، ويقول: أنا لها، أنا لها، فيشفع للخلق في فصل القضاء، فيفصل الله جل وعلا بين عباده، وهذه عامة لجميع الأمم.

ثانيها: الشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة.

ثالثها: الشفاعة في قوم من أمته استحقوا النار ألا يدخلوها، بل يغفر الله عز وجل لهم ويدخلهم الجنة رأساً.

رابعها: الشفاعة في قوم من أهل الجنة أن ترفع منازلهم في الجنة.

خامسها: الشفاعة في قوم دخلوا النار أن يخرجوا من النار ويُدخَلوا الجنة، وهؤلاء كثير؛ ولذلك صح في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لكل نبي دعوة مستجابة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً} ولذلك فإن شرط الحصول على شفاعة المصطفي صلى الله عليه وسلم، -وبأبي هو وأمي- أن يموت الإنسان موحداً لا يشرك بالله شيئاً، فكل من وقع في شرك فإنه محروم من شفاعته صلى الله عليه وسلم، ومسألة عدم الشرك بالله مسألة خطيرة وكبيرة، وقد سبق أن تحدثت عندكم عن هذه النقطة بالذات، والمهم أن شفاعته عليه الصلاة والسلام نائلة -إن شاء الله- من مات لا يشرك بالله شيئاً حتى وإن عذبوا، وهذبوا، ونقوا، فإنهم يخرجون من النار ويدخلون الجنة.

سادسها: هو نوع خاص به، وخاص -أيضاً- برجل واحد وهو: شفاعته عليه الصلاة والسلام في بعض أقاربه أن يخفف عنهم العذاب، وتلك شفاعته صلى الله عليه وسلم في أبي طالب كما ثبتت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنه في ضحضاح من نار} وفي لفظ: {تحت قدميه جمرتان من نار يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذاباً، وما يرى أن في النار أحداً أشد عذاباً منه، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار} فخُفف العذاب عن أبي طالب بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم نظراً لأنه كان يرعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحوطه ويحميه، وقد يقول قائل: لماذا خص أبو طالب؟ فأقول: من الطبيعي أن يخص أبو طالب لأنه ليس هناك رجل آخر عمل مع النبي صلى الله عليه وسلم مثلما عمل أبو طالب، فهو رجل كافر ومع ذلك فعل من الحماية والحيطة وتمكين الرسول صلى الله عليه وسلم من القيام بدعوته في وقت الاستضعاف ما لم يفعله غيره.

ولذلك لما مات كان خليفته وهو أبو لهب يقف ضد النبي صلى الله عليه وسلم، ويشهر به، ويقول: صابئ كذاب، لا تطيعوه، إنه يريد منكم أن تتركوا كذا وتتركوا كذا، فلم يكن هناك رجل مشرك وقف مع النبي صلى الله عليه وسلم مثلما وقف أبو طالب طيلة حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك خص بهذه الشفاعة.

فهذه بعض الوقفات والمعالم التي أحببت أن أبسطها بين أيديكم حول هذه الأحاديث التي ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بعض خصائصه وخصائص أمته.

نسأل الله جل وعلا أن يعز هذه الأمة وأن يعيد لها مكانتها وعزتها ومجدها، وأن يكتب لها العز والنصر والتمكين إنه على كل شئ قدير: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم:20] {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج:40] والله تبارك وتعالى أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015