التضليل والخداع وتلبيس الحقائق

أ- هناك كتب كثيرة ألفت خصيصاً للمسلمين، وراعت مشاعر المسلمين وعقائدهم وعواطفهم، فمثلاً: كتاب شهادة القرآن بتوحيد المسيحيين وهي نشرة نبهت إليها سابقاً، ووزعت في بلاد العالم، منها هذا البلد وزع فيه مئات الألوف من هذه النشرة، وهي مستلة من كتاب اسمه الله واحد في الثالوث القدوس لـ زكريا بطرس، فهذا الكتاب وهذه النشرة تؤكد على وجود نوع من التشابه بين عقيدة الإسلام والنصرانية، وتقول: إذا كان النصارى يؤمنون بآلهة ثلاثة: الأب وهو الله في زعمهم {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً} [الإسراء:43] والابن وروح القدس أيضاً أو أي مصطلح آخر يمكن أن يستخدموه، فهم يؤمنون بثلاثة آلهة، أو بالثالوث القدوس كما يسمونه، فهم يوجدون أو يحرصون على إيجاد تشابه بين هذا وبين قول الله عز وجل عن المسيح إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء:171] فيكون هو رسول وكلمة وروح، فهذه الكلمات الثلاث، يحاولون أن يوجدوا تشابهاً بينها وبين الثالوث الموجود عندهم.

نحن نعلم أنه فعلاً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كلمة الله خلقه بقول: كن، كما قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59] وأنه روح من الله عز وجل، كما قال الله تعالى، وليس المعنى -قط عند أي مسلم- أن المسيح جزء من الله، بل إن الله تعالى أنكر على من ادعوا هذا، فقال تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْأِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِين} [الزخرف:15] ولكن النصارى يستغلون هذا التشابه العددي بين هذه الكلمات الثلاث: رسول، وكلمة، وروح منه.

وبين التشابه العددي في قانون الثالوث، أو الأقنوم الثالوثي الموجود عندهم لتضليل المسلمين.

ب- وهم أحياناً يقارنون بين الثالوث الموجود عندهم وبين (بسم الله الرحمن الرحيم) هذه الأسماء الثلاثة الموجودة لله عز وجل في هذه الكلمة، مع أننا نعلم أن الله عز وجل له تسعة وتسعون اسماً، هذه الكلمات المعروفة الموجودة في القرآن والسنة، أما أسماء الله تعالى فإنه لا يعلمها إلا هو، فإن هناك أسماء لا يعلمها الخلق، ولهذا يطلع الله تعالى نبيه يوم القيامة على أسماء وصفات يدعوه بها، لم يكن يعلمها أحد من قبل، وأيضاً كما في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعائه أنه يقول: {اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك} فثمة أسماء لربنا عز وجل لا يعلمها إلا هو، أما ما يعلمه المسلمون فهي تسعة وتسعون اسماً وليس ثلاثة فقط.

ج- أيضاً من وسائل التلبيس عندهم: بناء كنائس مشابهة بالمساجد، فإن المسلمين قد تعودوا -خاصة في البلاد التي وجدوا فيها نصارى- على رؤية مناظر الكنائس مختلفة متميزة، ويُوجِد هذا عندهم نوعاً من الكراهية لها، ولهذا بدأ النصارى يسلكون طريقة جديدة: أن يبنوا كنائس شبيهة إلى حد كبير بالمسجد، بحيث يسهل على المسلم الدخول فيها، وربما ظنها مساجد فدخلها، وحتى لو دعوا باسم النصرانية إلى هذه المعابد لم يجد فيها غرابة؛ لأنه قد تعود على دخول شيء يشبهها.

د- ومن ذلك أيضاً: إقامة العبادة بطرق مشابهة للطرق التي يقيم المسلمون الصلاة فيها، مثل طريقة الصفوف، ومثل الجلوس على الأرض، ومثل أشكال العبادة، حتى يألفها المسلمون ولا يستوحشوا منها.

هـ- ومن ذلك أيضاً: ترتيل الإنجيل بطريقة تشبه قراءة القرآن الكريم، حتى إنهم يرتلون الإنجيل بطريقة تشبه طريقة التجويد المعروفة عند المسلمين عند قراءة القرآن، حتى يتعود المسلمون على ذلك، ولا يشعروا بالاستغراب.

و ومن ذلك: أنهم يحاولون أن يجعلوا شخصية المسيح في القرآن مشابهة لشخصيتة في الإنجيل، بل أن يلبسوا بنقلهم من الكتب الإسلامية التي قد يغتر المسلمون بها، فمثلاً: هناك كتاب اسمه شخصية المسيح في الإنجيل والقرآن ينقل عن كتاب تفسير الجلالين وهو كتاب متداول عند المسلمين في قوله عز وجل: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف:61] وفي قراءة {وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف:61] بفتح العين واللام في كلمة (لَعَلَمٌ) يعني: عيسى بن مريم، يقول: قال الجلالان أي: يعلم بنزولها، يعني: أن المسيح يعلم بنزول الساعة! فبذلك يلبسون على المسلم البسيط الذي لا يعرف الكتب، ولا يستطيع أن يرجع إليها أو أن يراجعها، فيظن أن تفسير الجلالين يقول في تفسير (علم للساعة) : أي: أن المسيح يعلم وقت نزول الساعة، مع أن القرآن صريح في أنه لا يعلم الساعة إلا الله عز وجل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات:42-45] ويقول: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف:187] ويقول: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان:34] لكنهم يلبسون على الناس، وحين ترجع إلى تفسير الجلالين تجد أنهم يقولون: بدل قول النصارى نقلاً عنهم يَعْلَم بنزولها، قال الجلالان: تُعْلَم بِنزُولِه، أي: يُعلم وقت الساعة بنزول عيسى بن مريم، فهذه عقيدة إسلامية واضحة معروفة لدى المسلمين، إذ يعتقدون أن المسيح بن مريم لم يقتل ولم يصلب، ولكن رفع إلى السماء، وسوف ينزل في آخر الدنيا قبل قيام الساعة، وهذا أحد معاني قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) وقوله: (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) بفتح العين واللام في كلمة (لَعَلَمٌ) في قراءة، أي: تُعْلَمُ الساعة بنزوله، فإذا نزل عيسى علم الناس قرب قيام الساعة، فانظروا كيف لبسوا.

ز- ومثل هذا النوع من التلبيس: هناك كتاب آخر يوزع في أوساط المسلمين، وعندي منه ومن الكتب السابقة وغيرها نسخ، كتاب اسمه الصليب في الإنجيل والقرآن في تفسير قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:157] فيقول صاحب الكتاب: قال: الفخر الرازي صاحب التفسير الكبير في تفسير هذه الآية ثم ساق كلاماً طويلاً يدل على أن صاحب هذا الكلام يؤمن بأن المسيح قتل وصلب، فنقلوا هذا الكلام ونسبوه إلى الفخر الرازي، فإذا رجعت إلى كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي وجدت أن هذا الكلام كذب مفترى، وأن الفخر الرازي ساق سؤالاً طويلاً على لسان أحد النصارى، ثم طفق يرد عليه ويفنده من وجوه عديدة وفي صفحات طويلة.

فهم نقلوا السؤال الذي ساقه الفخر الرازي على لسان أحد النصارى وعدوه من كلام الإمام الجليل الفخر الرازي تلبيساً وتوهيماً للسذج والعوام من المسلمين.

ح- ومن وسائلهم في التضليل -أيضاً- التضليل بالأسماء الإسلامية كما ذكرت سابقاً، فالمسئول عن المراسلة في إحدى الإذاعات اسمه الشيخ عبد الله برنامجه اسمه (الله أكبر) وبعض الإذاعات اسمها (صوت الحق) وأخرى اسمها (نور على نور) وعندهم أسماء كثيرة لكنهم عمداً اختاروا هذه الأسماء؛ لأن لها وقعاً في نفس المسلم وفي أذنه الذي تعود على سماعها.

ط- ومن الوسائل أيضاً: أنهم يرون أنه لا داعي لمصادمة المسلمين بالعقائد التي يأنفون منها ويرفضونها، فيقولون: لا داعي لأن تقول للمسلم مثلاً: إن المسيح ابن الله هكذا مباشرة؛ لأنه يرفضها، وتصادم عقيدته الموروثة التي تلقاها منذ الصغر، وهو يسمع قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1-4] فلا داعي لأن تقول للمسلم أول مرة: إن المسيح ابن الله، وخاصة يقولون: إن المسيح نفسه لم يستخدم هذه الكلمة، ولم يقل عن نفسه إني أنا ابن الله، بل قال عن نفسه: إنه ابن الإنسان وإنه الكلمة وإنه الروح، ولذلك لا داعي لاستخدام هذه الكلمات، ولكن يمكن أن نتسلل بها إلى قلب المسلم شيئاً فشيئاً، مثل أن نقول: إن المسيح روح الله، وهذه الكلمة قد يقبلها المسلم لكونها وردت في القرآن الكريم {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء:171] .

ي- ومن وسائلهم في التضليل -أيضاً- استغلال العناوين المشتركة بين الإسلام والنصرانية، فمثلاً: الصلاة وردت في الإسلام، ومثلها الصوم، ومثلها الصدقة؛ فيقولون: نستغل هذه العناوين المشتركة بين الإسلام والنصرانية؛ حتى يتقبل المسلم النصرانية دون أن يشعر بالفارق الكبير بين الإسلام وبين دينه الجديد، ولذلك قال الرئيس الأمريكي نفسه -في تصريح له في العام الماضي، وهو يتكلم مع مجموعة من الصحفيين العرب- قال: "إنني لا أوافق على ما يروجه عنا الأصوليون الذين يتكلمون عن عداوتنا لهم وحربنا، وأن ما يروجونه غير صحيح، وأنهم متحاملون علينا، وأنا سوف أقف شخصياً ضدهم، ثم قال: مستدركاً أنا لست متعمقاً في دراسة الدين، ولكنني لا أجد في مبادئ الإسلام ما يجعلنا نختلف أو نتناقض فيما نؤمن به، بل على العكس إنني أجد تماثلاً بين مبادئ الإسلام والمبادئ التي نؤمن بها والمشتقة من ديننا وحضارتنا الغربية"، هذا التصريح نشر في جريدة روز اليوسف عدد (3347) .

ك- أيضاً من وسائل التضليل: استخدام العبارات الإسلامية مثل قولهم: بسم الله الرحمن الرحيم، الله سبحانه، والله تبارك تعالى، عيسى عليه السلام، تسمية الكنائس بيوت الله كما تسمى المساجد، إلى غير ذلك من الألفاظ التي يألفها المسلمون، ومن ذلك أيضاً ادعاؤهم أن دين المسيح لم ينسخ، فقد يظهرون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015