أجاب على هذا السؤال فضيلة الشيخ: سلمان بن فهد العودة حفظه الله:
Q شيوخنا الأفاضل: تتفطر أكبادنا وتتمزق قلوبنا ألماً لحالة الأمة الإسلامية, ولحال إخواننا المسلمين, ونحن معشر النساء لا نستطيع إمساك العنان، وخوض غمار المعارك, فما هو سبيلنا للجهاد؟ وماذا نستطيع إفادة إخواننا المسلمين فيه؟ وكيف نؤدي دورنا في استرجاع مجد أمتنا؟ والسؤال موجه للشيخ: سلمان بن فهد العودة؟
صلى الله عليه وسلم أولاً: أنت صانعة الأجيال -كما يعبرون- بغض النظر عن تحفظ بعضهم عن هذا التعبير, لكن مربية الأجيال يقيناً, والصغير يتربى في حجر أمه ويتلقى منها التربية, وإحدى الأمهات كتبت لي يوماً من الأيام رؤيا صالحة رأتها في طفلها, فذكرت لي كيف كانت تربية هذا الطفل, حتى اختارت له اسماً معيناً, يتعلق بالقتال والجهاد, ثم كانت تربيه, وهو في السنة الأولى الابتدائية, كان يقرأ القصص, ويسمع القصص المتعلقة بأخبار المجاهدين الأفغان, ويبكى -أحياناً- إذا سمع بعض الأمور المحزنة, وربما تصدق بالمال الذي أعطاه أبوه ليشتري به علبة (البيبسي) من المدرسة -مثلاً- تصدق به وقال: هذا أريده للمجاهدين الأفغان, فإذا كان الطفل يتربى في البيت في مثل هذا المجال, فكيف يكون عندما يكبر سنه؟ لكن إذا كان الصبي الصغير يتربى على كل معاني الجبن والخور, وأمه دائماً وأبداً تخيفه من الأشياء الغريبة, والأشياء المجهولة, وتخيفه بالقصص والأساطير الخيالية, وتخيفه من كل شيء, وتضربه على كل شيء, ولا تعطيه فرصة ليتربى, ولا ليحاول, ولا ليتدرب, وكذلك تربيه على المعاني الرديئة كسماع الأغاني -مثلاً- أو مشاهدة الألعاب, والصور المتحركة, أو غير ذلك, فإنه حينئذٍ سيكون من الصعب جداً أن يتغلب على الآثار السلبية لهذه التربية, هذا جواب على السؤال.
أما ما بقي مما قد يكون عندي بعض التعليقات السريعة واذكر باختصار أيضاً: أولاً: أود أن أشير للإخوة وقد كثر الحديث في هذه الجلسة عن التوجع عن واقع هذه الأمة, والواقع ينبغي أن نقتصد في التوجع, وأن نتحدث بقدر غير قليل عن التفاؤل والأمل الكبير الذي لا أقول إنه أمل بغير رصيد, بل إنه أمل نراه بأعيننا ونسمعه بآذاننا, فنحن الآن نجد بوادر كبيرة على التخلف والانهيار الاقتصادي الذي كان سبباً في سقوط الاتحاد السوفيتي.
إنه الآن بدأ بداية قوية في أمريكا وفي أوروبا وفي غيرها, ومديونية أمريكا أصبحت تحسب بالتريليونات يعني -مثلاً- (اثنين تريليون) أرقام خيالية في مديونيتها, إذاً هي قادمة على الانهيار كغيرها, ومن الممكن أن يواجه العالم فراغاً ولو بعد حين.
أقول: بإذن الله تعالى لعلنا قبل أن نموت نشهد تلك الأيام التي نتذكر فيها زماناً كنا نتكلم ونردد فيه مثل هذه الأوضاع، وإحساسنا بالعجز عن مقاومة الكفر المدجج بالسلاح، نذكرها بالابتسامات والتعجب وأن نقول: سبحان الله! ضعف الإنسان وقصر نظره, وعدم قدرته على استشراف المستقبل بإذن الله تعالى كيف كنا؟! كما إننا الآن نتكلم عما كان عليه الاتحاد السوفيتي قبل سنوات, بل ربما شهور نتكلم عن ذلك حديث المتعجب! النظام الدولي الجديد الذي تبشر به أمريكا, ذاهب لا محالة قدراً وشرعاً, فسنة الله تعالى ماضية، وقد أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام عن المسلمين الذين يقاتلون في آخر الزمان, ومواجهتهم للمسيح الدجال, وقيام دولة الإسلام, بما يدل دلالة قاطعة على ذلك, والواقع يدل على ضعف كيدهم، وينبغي أن ندندن حول ضعف الكيد الغربي كما قال الله {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76] , فهذه دولة كالسودان دولة ضعيفة اقتصادياً وبشرياً ومن دول العالم الثالث المتخلفة في مقياسهم ومعيارهم, ومع ذلك يعلنون الحرب عليها الآن جهاراً وليس سراً حتى إني قرأت تقريراً قبل أسابيع, أن مسئولاً كبيراً في أمريكا يعتب على السودان يقول: لماذا تصدرون اللحوم إلى العراق؟ مع أن هذا الأمر مأذون به من قبل الأمم المتحدة, لكن يقول: لماذا تصدرون مع أن شعوبكم محتاجة؟ يا أيها الأمريكان لماذا تتدخلون في قضية لدولة تعتبر من الأمور والقضايا الداخلية التي لم يكن من حقكم أن تتدخلوا فيها؟! وماذا نقمتم من السودان سوى أنه يعمل على الاستغناء عنكم, والاكتفاء الذاتي وانتصر على النصارى في الجنوب, واستطاع أن يحرر مناطق كثيرة, واستطاع أن يتمرد على قيود البنك الدولي إلى غير ذلك من الأمور, وأنها دولة إسلامية قامت على قدميها, ومع ذلك عجزوا عن إسقاطها.
مثل آخر: العراق بغض النظر عما ذكره قبل قليل أخي المقدم, عن وضع شخصية الحاكم, وعن وضع الحزب الحاكم في العراق, لكننا نقول: إن الغرب بين أمرين: إما أن يكون الغرب عاجزاً عن إسقاط الحزب الحاكم, والشخص الحاكم في العراق, بالرغم من الجهود وبالرغم من الحرب التي شنها, وهذا يدل على عجز الغرب, أو يكون الغرب راضياً ببقائه وجعل بقاءه مجرد تكأة له حتى ينهك العراق, ويقضي على قوته, وهذا يكشف للناس أن الغرب خبيث ومتآمر، وأنه لا يرضى بوجود القوة حتى ولو كانت قوة في يد عملاء أو مرتدين, أو منافقين.
أمر آخر: لقد تحدث أخي المقدم عن أن الأسلحة الجديدة في يد الغرب, وأن المسلمين يملكون أسلحة قديمة, وهذا الكلام صحيح وبناء عليه أطرح سؤالاً: إذا كانت الأسلحة في أيديهم فكيف نجاهد؟ إذا اعتقدنا أن المقصود بالجهاد فقط حمل السلاح, السلاح الحديث في أيديهم؟ الجواب أقول: من أعظم وسائل الجهاد أن نجاهد في أن نمتلك أسرار التصنيع وأزمته, القدرة على الاستغناء, ولن تكون القدرة على الاستغناء بكلمة, بل هي تتطلب جهداً طويلاً، وها هي اليابان قطعت هذا الطريق, وقبل أيام أعلنوا عن أول قوة غادرت اليابان لتذهب إلى فيتنام وإلى غيرها ضمن قوة الأمم المتحدة, مع أن النظام يمنع من مثل هذا العمل في الأصل, لكن بعد مرحلة طويلة جداً من الوصول إلى أسرار التصنيع.
إذاً من ألوان الجهاد: الجهاد في مجال العلم والتقنية, ومن ألوان الجهاد: الجهاد في مجال إصلاح المسلمين, لأنهم لو صلحت عقائدهم, وأخلاقهم, ودينهم لبارك الله تعالى في السلاح البسيط الذي يحملونه.
أخيراً لقد أجاب فضيلة الشيخ عبد الله عن أولئك الذين يقولون: لا يصلح الجهاد الآن؛ لأنه يخيف الغرب ويجعلهم يتصورون أننا قوم متوحشون لا نجيد إلا فن القتال وسفك الدماء, فأقول: لا شك أن هذا الكلام تَدخَّل في التشريع؛ لأن الدين قد كمل ونزل قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] .
لكن هذا لا يمنع أن يكون التركيز في كل وقت في الطرح الإسلامي معنياً بجوانب, ففي الغرب -مثلاً- لا يمنع أن نركز على إصلاح العقائد, ولا يمنع أن نركز على الجانب الأخلاقي في الإسلام, وعلى الجانب الاجتماعي في الإسلام, وعلى الجانب التنظيمي في الإسلام, أو الجانب الصحي -مثلاًً؛ لأن كل هذه الأشياء من الممكن أن نكسب بسببها أعداداً يدخلون في الدين, لكن لا يعني هذا بحال أننا سترنا جزءاً من الدين, أو دفناه -فضلاً- عن أن نعتقد أنه منسوخ, وأنه لا مجال له الآن, واعتذر كثيراً عن الإطالة.