السؤال لفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: أليس من الأولى قبل إعلان الجهاد والأمة في هذه الحالة أن تعاد أولاً إلى دينها الصحيح, وفي مقدمة ذلك التوحيد والعقيدة الصحيحة, التي يجهلها كثير من المسلمين في هذا الزمان, واشتغلوا عنها بغيرها, جزاكم الله خيراً؟
صلى الله عليه وسلم بلى، صحيح أنَّا مأمورون بأن نرد ضال المسلمين, وأن نحرص على هداية من أخطأ الطريق, فنبدأ بجهاد أنفسنا, ونبدأ بجهاد أبنائنا, ونبدأ بجهاد إخوتنا, ونبدأ بجهاد جيراننا وأعواننا ومن نعرفهم, وليس الجهاد مخصوصاً بالقتال, بل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر جهاد, وبث العلم الصحيح جهاد, وكذلك تركيز الإيمان والعقيدة الصحيحة وترسيخها في القلوب جهاد, وقد ذكر المشايخ أن الجهاد مشتق من الجهد الذي هو بذل الوسع والطاقة والتكليف على النفس والتشديد عليها بشيء يكون مجهداً ومكلفاً لها.
إذاً، لا شك أنه أعم من القتال في سبيل الله الذي هو قتال الكفار, بل يعم أن نبدأ بجهاد المسلمين الذين يتسمون بأنهم مسلمون ولكنهم لم يحققوا الإسلام, فقد مر بنا -قريباً- أن من بين المسلمين من يتسترون بالإسلام, وهم في الحقيقة منافقون, وما يسمون بالعلمانيين, أو حداثيين, أو في الحقيقة منافقون, وأن هؤلاء يجب جهادهم إما سراً بدعوتهم وتخويفهم حتى يرجعوا, وإما علناً بالتحذير من شرهم والأخذ على أيديهم.
كذلك -أيضاً- قد اشتهر وظهر أن الكثير من المسلمين قد انحرفوا في معتقداتهم فاعتقد كثير منهم ضد الإسلام كالشيوعية, أو الإلحاد, أو الزندقة, أو نحو ذلك.
كذلك -أيضاً- وقعوا في خلاف في العقيدة, فانحرف كثير منهم اعتقدوا عقائد أشعريه, أو عقائد معتزلة, أو ما أشبه ذلك, وما أكثر هؤلاء! ويستحقون أن نجاهدهم حتى نردهم إلى معتقد السلف الصالح, وعقيدة أهل السنة والجماعة, كذلك -أيضاً- لا شك أن بين المسلمين عصاة مجاهرون بالمعاصي, ومعلنون لها أو مخفون لها, وهؤلاء أيضاً يستحقون أن نجاهدهم بما نستطيعه, أو بما يكف شرهم, فإقامة الحدود, وقتل القاتل, ورجم الزاني, أو جلده -مثلاً-, وقطع يد السارق, وكذلك قتل الساحر, وقتل المرتد, أو نحوهم, وكذلك جلد الشارب "شارب الخمر" وما يلحق به, أو القاذف, أو ما أشبه ذلك.
وكذلك أنواع التعزيرات, التعزير على ترك صلاة, أو تخلف عنها, أو ما أشبه ذلك، لا شك أن هذا كله جهاد في سبيل الله.
وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, يعتبره العلماء جهاداً, وذلك لأن التوحيد هو أهم المعروف, فالأمر به يعتبر أمراً بالمعروف، والشرك والمعاصي كلها من المنكر, فالنهي عنها يعتبر من النهي عن المنكر.
إذاً: لا شك أن هذا داخل في الجهاد في سبيل الله سبحانه, فعلى هذا نقوم بهذا الأمر, ولكن هل يعني أن كل المسلمين يقتصرون على الجهاد فيما بينهم, ويتركون جهاد الكفار في البلاد الأخرى, التي يستضعف فيها المسلمون ويهانون؟ نقول: ليس كذلك, فهناك من يكون وظيفتهم أن يجاهدوا في بلادهم, وهناك من لديهم قوة وجلد يجاهدون في البلاد الأخرى, هذا الجهاد الذى هو القتال ونحوه, كذلك -أيضاً- هناك من يتفرغون للدعوة في بلادنا التى هي بحاجة إلى من يدعو إليها أولئك المنحرفين, ويتفرغ آخرون للجهاد في سبيل الله والدعوة إلى الله تعالى في البلاد الأخرى.
كذلك -أيضاً- ليس الجهاد خاصاً -كما سمعنا وتكرر من الإخوان- بالقتال بل هناك جهاد قد يفوقه أو قد يقرب منه وهو الجهاد بالمال, كثيراً ما يقدم الله الجهاد بالأموال على الجهاد بالأنفس، كقوله سبحانه في سورة الأنفال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال:72] , في موضعين, وفى أربعة مواضع أو خمسة, في سورة التوبة يقدم الله الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، وكذلك في سورة الحجرات وفي غيرها يذكر الله الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، فيقدم أموالهم على أنفسهم, لماذا؟ لأن الجهاد بالمال قد يكون نفعه أعظم, فإنه إذا بذل مالاً جهز عدداً كثيراً.
وكما سمعنا من الإخوة أن عثمان رضي الله عنه جهز جيش العسرة، فكم الذين قاتلوا بسبب عثمان رضي الله عنه؟ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها, وأموال كثيرة جاء بألف دينار, فصبه في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، هذا فرد واحد جاهد بسببه أعداد هائلة, إذاً فلا نقول: إن الجهاد مخصوص بأن تغزو بنفسك وتقتل إنساناً أو تقتل في سبيل الله, لا شك أنه جهاد وأنه فيه أجر, ولكن أنواع الجهاد كثيرة والله أعلم.