قال الشيخ سلمان بن فهد العودة حفظه الله:
صلى الله عليه وسلم هناك أشياء تتعلق بما مضى وهي في الوقت نفسه جواب, فقد تحدث فضيلة شيخنا الشيخ عبد الله قبل قليل عن مسألة جهاد المرتدين والمنافقين, وعرفنا من حديثه أن حكم المرتد إما أن يراجع دينه, أو السيف, أما المنافق فإن أظهر نفاقه وثبت عليه ثبوتاً شرعياً, فقد أصبح زنديقاً يجب قتله ولا يستتاب، بل قال كثير من أهل العلم والفقه: لا تقبل له توبة, لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء:137] , المهم هذا شأن المنافق وهذا شأن المرتد في الإسلام.
فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن, هل هذا الحكم الشرعي قائم في شأن المنافقين والمرتدين أم هو غير قائم؟ أقول: بطبيعة الحال إن هذا الحكم غير قائم, بل هو معطل في بلاد العالم الإسلامي ضمن الأحكام الكثيرة المعطلة.
وهنا يطرأ سؤال آخر, كيف حال المرتدين؟ وكيف حال المنافقين؟ هل هم أذلاء, مضروب عليهم الذل والصغار وممنوعون -مثلاً- من أن يتصلوا بالمسلمين, أو يؤثروا عليهم؟ الجواب أيضاً: لا.
فأنت -مثلاً- لو قدمت وثيقة تدل على أن فلاناً غير مسلم, يسخر بالدين حتى إذا دخل عليه إنسان وهو في مكتبه وقال: "يا فلان، أنا داخل على الله ثم عليك, قال: لا, على الله؟ اذهب إلى الله لكي ينفعك, أما عليّ فلا مانع"!! هذا الكلام الذي قاله مع أنه ردة لا يمنعه من أن يظل في منصبه وفي كرسيه وفي عمله, لماذا؟ لأنه مواطن يتمتع بحقوق المواطنة, بل من الممكن أن يكون هذا الإنسان مدرساً للمواد الشرعية, لماذا؟ لأنه خريج كلية شريعة -مثلاً-، ومعه شهادة وهو مواطن, إذاً النظام يمكنه ويمنحه كامل الحقوق التي يتمتع بها غيره.
إنني لا أغالط نفسي وأغالطكم إذا قلت هذا، فأحياناً يملك هذا الإنسان من وسائل الترقي والوصول والصعود وتسلم أرقى وأعلى المواقع السلطوية ما لا يملكها غيره, وذلك لأن عنده قدرة ولباقة, وتلوناً, وعنده أشياء كثيرة, وعنده الإمكانيات, وربما والخبرات.
أما ذلك الإنسان المتدين فهو في نظر الكثيرين معقد، ويمتنع عن كثير من الأمور, ولا يسترسل, ولا يلبي الرغبات الشخصية, ولذلك يظل في تراجع أحياناً، ولقد وجدنا في بلاد العالم الإسلامي إذا كنا نعرف بعض البلاد التي احتلها اليهود كفلسطين -مثلاً- وبعض البلاد التي احتلها النصارى كالأندلس التي سقطت في أيديهم, وبعض البلاد التي احتلها الشيوعيون سابقاً كما هي الحال في أفغانستان فيما مضى, فإننا نجد أن هناك دولاً أخرى كثيرة لا زلنا نتكلم عنها على أنها بلاد إسلامية، ولو أننا فتحنا عيوننا أكثر لوجدنا أنه احتلها المنافقون.
فهم يحملون أسماء إسلامية, ومعهم ميلاد إسلامي, وربما بعضهم يحضرون "الموالد" وربما بعضهم يصلون أحيانًا الجمعة أو غيرها حتى يراهم الناس, وربما يتكلمون في خطب في بعض المناسبات الدينية أو غيرها, وبعضهم أيضاً يحيون الطرق الصوفية, ويقيمون المؤتمرات لتلك الطرق ولغيرها, ولكنهم في حقيقة الأمر قلوبهم مع اليهود والنصارى, ونفوسهم معهم، فهم طوع إرادتهم, ورهن إشارتهم, وأكثر ما يغيظهم أن يرتفع الإسلام؛ لأن ارتفاع الإسلام ذل لهم, ولهذا فهم مع الكفار على المسلمين, كما ذكر الله تعالى -تماماً- عن المنافقين: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:141] .
والمدعون هوى الإسلام سيفهُمُ مع الأعادي على أبنائه النجب يخادعون به أو يتقون به وماله منهم رفد سوى الخطب الخطب الرنانة فقط, وإذا كان ذلك كذلك -وهو كذلك في سائر بلاد الإسلام- فإننا لا نستغرب أبداً أن يضعوا أيديهم مع إسحاق رابين وشامير وغيرهم من اليهود ومن قبل وضعوا أيديهم مع أيدي النصارى ضد المسلمين, وسوف تسمعون ربما قريباً عن ألوان التعاون الأمني في منطقة الشرق الأوسط, لا يستثنى من ذلك دولة إسرائيل, وربما تسمعون بعد ذلك ألواناً من التعاون العسكري أيضاً في هذه الدول بين عدد من تلك الدول وبين دولة إسرائيل, وربما تسمعون عن تضافر بين الأموال العربية والخليجية والأيدي العاملة المصرية وبين الخبرة والتقنية اليهودية, لتكوين منطقة شرق أوسطية آمنة مستقرة.
إذاً القضية ليست قضية صلح أو سلام, القضية قضية تطبيع كامل, وتحقيق للهيمنة اليهودية على منطقة الشرق الأوسط المنطقة الإسلامية.
هذا جواب أولاً عن مسألة المرتدين والمنافقين.