وقد قتل كثير من الخلفاء أعداداً كبيرةً من الزنادقة, وكان السلف يسمون المنافق زنديقاً, وهو الذي يدخل في الإسلام تستراً، يظهر أنه مسلم وقصده إفساد المسلمين, وإفساد عقائدهم.
وأكثر الأئمة على أن الزنديق لا يستتاب, وما ذاك إلا أنه دائماً يظهر بأنه مسلم وأنه على الإسلام, وأنه مع المسلمين, ولكن كفره خفي لا يظهره إلا لمن يثق به، كما حكى الله ذلك عن المنافقين في قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14] , ويخبر تعالى بأنهم يظهرون مالا يبطنون, يقول تعالى: {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ} [آل عمران:154] .
فجهاد مثل هؤلاء إذا عرفوا وتظاهروا فيما بيننا فنجاهدهم بالحجة, ونجاهدهم بالمجادلة, والمخاصمة, حتى يندحروا, وحتى يحذر الناس من شرهم, ونظهر أسرارهم, ونرد عليهم, وأما القوة فليست للأفراد إذا ثبتت عليهم هذه الأقوال التي هي ردة وسخرية, واستهزاء بالإسلام, وحفظت عليهم, فإن الشرع يأمر بقتلهم.
فإن كلمة تصدر من أحدهم يفهم منها أنه ممتثل بتعاليم الإسلام ومظهر لشيء ما يخفيه في قلبه إذا حفظت وأكدت عليه عرف بذلك أنه منافق, فعند ذلك يقتل.
وأما المرتد وهو الذي عرف بأنه مسلم وبقي مع المسلمين وفيما بين المسلمين, ولكن ارتد عن الإسلام, لسبب خفي أوجلي بأن كفر بعد الإسلام فهذا حده القتل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من بدل دينه فاقتلوه} , وقال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة:217] , وقد مدح الله تعالى الذين قاتلوا المرتدين, وهم الصحابة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54] .