ومعلوم أنه لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حصلت ردة من كثير من العرب, لأن الجزيرة ليس فيها إلا العرب, وكان الذين دخلوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام كلهم أو جلهم من العرب.
ذكر العلماء أنهم انقسموا إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: رجعوا إلى عبادة الأوثان, ومعناه أنهم كذبوا بالرسالة, وقالوا: لو كان محمد نبياً ما مات.
القسم الثاني: صدقوا المتنبئين كـ مسيلمة , وسجاح , ونحوهما, وجعلوا هؤلاء صادقين في أنهم أنبياء, واتبعوهم, مع ما ظهر مما يدل على كذبهم.
القسم الثالث: بقوا على إسلامهم إلا أنهم منعوا الزكاة, وقالوا: إنما الزكاة خاصة بمحمد.
هؤلاء قاتلهم الصحابة كلَّهم وجعلوهم مرتدين, ومعلوم أن عدد الصحابة الذين بقوا على الإسلام في المدينة وفي مكة, قلة بالنسبة إلى أعداد العرب الذين أحدقوا بهم من كل جانب, ولكن الله تعالى ثبتهم وثبت خليفتهم وهو أبو بكر رضي الله عنه, فصمد وأصر على قتالهم ولو كان بالمسلمين قلة ولو كان بالمشركين كثرة, حتى أظهر الله الإسلام ورجعوا في مدة قصيرة، ونصر الله الإسلام.
فعلى هذا نقول: إن المرتدين عليهم واجب أن يرجعوا إلى دينهم, ولكن من لم يرجع فإنه يقتل, وقد ذكر أكثر العلماء أن المرتد يستتاب ثلاثة أيام, فإن رجع وإلا قتل, وبعضهم يقول: بل يقتل ولا يستتاب, وروي أن عمر رضي الله عنه لما ذكر له أن بعض الصحابة قتلوا رجلاً ارتد, فقال: [[هلاَّ استتبتموه, أو حبستموه ثم استتبتموه]] , ثم تبرأ من فعلهم, ولكن إذا تكررت منه الردة فإن حده أن يقتل, وذلك أنه دليل على نفاقه.
وعلى كل حال فإن هذا نوع ظاهر من أنواع الجهاد، وما ذاك إلا لأنه بذل لجهد عظيم في إظهار الإسلام, لأنه لا شك أنه إذا ارتد هؤلاء الأفراد, وارتدت هذه الطائفة, وهذه الجماعة, وكثر المرتدون, قويت شوكتهم وأضعفوا الإسلام، وصاروا مع المشركين وأعداء الدين، فلا بد أن يقضى عليهم قبل أن يكثروا وقبل أن يتمكنوا.
وكذلك -أيضاً- جهاد المنافقين، فمتى كثر النفاق في بلد أو في دولة من الدول, إذا رأوا قوة الإسلام فأخفوا نفاقهم, فإنهم بعد مدة يتمكنون ويعلنون عن نفاقهم متى كثروا، فيكونون ضداً للإسلام وللمسلمين.
فلذلك يشرع جهاد هاتين الطائفتين المنافقين والمرتدين بما يرد كيدهم، إما جهاداً ظاهراً بالسيف والسنان, وإما جهاداً معنوياً بالحجة والبيان.