Q إن العلماء انقسموا إلى فريقين بالنسبة إلى خلود الكافر في جهنم والعياذ بالله، الفريق الأول يقول بأن الكفار لا يخلدون في النار إلى الأبد ويدخلون الجنة، والفريق الثاني يقول: إنه مخلد فيها خلوداً أبدياً لا انتهاء له, وأن الجميع مستدلون بآيات من القرآن الكريم أو أحاديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟
صلى الله عليه وسلم أقول كما يقال في المثل: إذا جاء أمر الله بطل أمر غيره, فالقرآن الكريم محكم ونصوصه صريحة في خلود الكفار في النار خلودا أبدياً لا انتهاء له, وقد ذكر الله عز وجل تأبيد الكافرين في ثلاثة مواضع من القرآن منها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الأحزاب:64-65] وفي السنة النبوية من هذا الكثير، والأحاديث في هذا صريحة, مثل الحديث الذي ذكرته قبل قليل عن أبي هريرة وغيره.
وأما أن علماء السنة انقسموا فإنني أرى أن في هذا شيئاً من الفساد في التعبير, وإن كان بعض المصنفين ذكروا ذلك كالإمام شارح العقيدة الطحاوية وغيرها, وأعتقد أن في هذا شيئاً من الفساد؛ لأن علماء السنة متفقون أولهم وآخرهم على خلود الكفار في النار خلوداً أبدياً لا انتهاء له, ولا يخرجون منها أبداً -نسأل الله السلامة والنجاة من ذلك-.
أما القول بأنهم يخرجون منها أو ينتهون فيها, فهو قول حادث نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية , ونسب لتلميذه ابن القيم وأقوالهم في ذلك مضطربة، فهم في بعض الكتب يقولون ذلك وفى بعضها يقولون غيره, فيجب ألا نقلد أشخاصاً مهما كانت عظمتهم، فإن الله تعالى أبى أن يكون الكمال إلا لكتابه، فهو كتاب محكم من الزيادة والنقصان والخطأ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإذا تحقق القصد بأنهم مخلدون فيها أبداً، فإن الواحد منا أحياناً إذا تأمل وجد المسألة فيها صعوبة كيف أنه مخلد لا مطمع له في الخروج من النار أبداً خلوداً سرمدياً.
فأقول: يا أخي يهون عليك هذا، ويجعلك لا تفكر فيه أصلاً أن تدرك أن الذي يعاقب ويحاسب هو الله الذي من أسمائه: الرحمن، الرحيم, الودود, اللطيف, الحليم, الكريم, البر, كل هذه من أسماء الله سبحانه تعالى, ولو علم الناس قدر رحمة الله لطمع في جنته حتى الكفار, فرحمة الله واسعة, فإذا علمت أن هذا الرحيم هو الذي عاقبك, أدركت أنك مهما كنت, فلن تكون أرحم من الرحيم, فكيف تظن أنه لن يخلد مع أنه هو نفسه سبحانه قال: سيخلد فيها أبداً.
هذا أمر يجب على الإنسان أن يكله إلى الله سبحانه تعالى, لأن هذه أمور من أمور الغيب، ويكفيك أن الرسول صلى الله عليه وسلم وما صح عنه حديث واحد في هذا الموضوع, إنما روي عنه حديث في تفسير عبد بن حميد لا يصح في خروجهم من النار, أو فنائهم, وعمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: لو علم أهل النار أنهم ماكثون في النار عدد رمل عالج لفرحوا واستبشروا, يعنى: مثل ما نقول صحراء الربع الخالي, أو غيرها، لو علموا أن مكثهم في النار من الأيام التي هي أيام الآخرة عدد رمال هذه الصحراء لفرحوا, لكنهم يعلمون أنه ليس لهم خروج أبداً، ولذلك يقولون: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:77-78] .
فإذا يئسوا من الموت, جاءوا بطلب آخر، فيقولون لخزنة جهنم: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] , انظروا أيها الإخوة ما دمنا في زمن الإمهال، انظروا إلى لغة الأمر وشدته وصعوبته {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق:14] , وما طلبوا في هذا أن يخرجوا منها, لا, بل طلبوا التخفيف فقط ومع ذلك فالله لا يجيبهم, بل يقال لهم: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر:50] , ألم تقم عليكم الحجة؟ {قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:50] , فيقول لهم الخزنة: لن ندعو ربنا ليخفف عنكم, ادعوا أنتم ودعاؤكم في ضلال, يعنى: فدعاؤهم ضائع لا يستجاب له, ويقول الله تبارك وتعالى في الموضع الثالث {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [فاطر:36] نص من رب العالمين أنهم لا يموتون {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر:36] {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} [فاطر:37] يعنى: يضطربون ويصرخون ويقولوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا} [فاطر:37] يتمنون هذه اللحظات التي نحن فيها الآن {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37] ويعاهدون الله على ذلك فيقال لهمك {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر:37] نعم أيها الإخوة احتج الله عليهم بالعمر الذي أعطاهم، العمر الذي هو حجة علينا، هو الحجة وهو النذير المبين أن الإنسان بلغ حتى عقل وعرف الأمر والنهى الذي يعاقب فيه {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37] ويقول الله عز وجل: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء:97] , ويقول: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} [النساء:56] إلى غير ذلك من الآيات.
فأهل النار من الكفار خالدون مخلدون فى جهنم أبداً لا مطمع لهم فى الخروج منها, ولا مطمع لهم فى الموت, فضلاً عن أن يكون لهم مطمع فى الجنة, فهذا أمر من أشد المحال.
ومما سبق أيها الإخوة أنه لعلكم سمعتم كثيراً أن الذي يموت وقد بلغ سن البلوغ, وهو لا يصلي الصلوات المفروضة, فإنه كافر, وهذا الأمر يفتى به لا أقول جماهير العلماء بل جميع الصحابة, جميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, أعلم الناس بالدين، والذين شاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم, وعاشوا وسمعوا كلامه، ورأوا تنزل الوحي عليه يقول عنهم التابعي الجليل عبد الله بن شقيق فى الأثر الصحيح: [[كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة]] واستدلالهم بهذا من القرآن والسنة، ولو كان المجال يتسع لبسطنا أدلتهم.
وهذا يجعلني أؤكد عليه -أيها الإخوة- بضرورة تعاهد أولادنا ومن حولهم, وما تحت أيدينا وجيراننا فى موضوع الصلاة، والله لو علم الواحد منا أن هذا الابن الذى يحبه ويشفق عليه سيكون في النار فضلاً عن أن يخلد فيها لطار صوابه, فيجب أن يتحول هذا العلم من علم باللسان وبالعقل إلى علم بقلوبنا, يحرك قلوبنا إلى أن نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر, فإذا عجزنا قامت الحجة عليهم, وحينئذ نقول كما قال الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] .