وقد رأينا نماذج من ذلك لأتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، من بينهم إمام من أئمة أهل السنة والجماعة في هذا العصر، وهو سماحة الشيخ الوالد الكبير عبد العزيز بن عبد الله بن باز، فإنني قد رأيت عليه أثراً من أثر الاقتداء بالنبوة كبير، في كل مجال خاصة في هذا الجانب، فعلى الرغم أن الرجل مشغول بجلائل الأعمال، تأتيه مشاكل المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، ووفود من أنحاء الدنيا، ومراسلات لا تنتهي، واتصالات عجيبة، ويتصل به الناس على كافة مستوياتهم، وكل إنسان قد يكون عنده قضية جزئية يتصل بالشيخ، هذا توقف عنه -مثلاً- الكهرباء، اتصل بالشيخ عبد العزيز وهذا عنده مسجد اتصل بالشيخ عبد العزيز، وهذا عنده مشكلة اتصل، والنساء بل كبيرات السن في بيوتهن تتصل بالشيخ، وبعضهم لا يثق إلا بالشيخ نفسه، حتى لو كان عندها استفتاء في قضية معروفة يعرفها صغار طلبة العلم، قالت: لا يمكن إلا الشيخ، وتأتيه قضايا ومشاكل اجتماعية، كقضايا الطلاق، وأمور وأعاجيب، ووالله الذي لا إله غيره، إننا أحياناً نجلس عنده فيأتيه الناس وتأتيه الاتصالات، فتستغرب من طول نفسه وطول باله، ويبدأ الناس يتكلمون بتفاصيل، ويطيلون ويعرضون ويعيدون الكلام ومرة ومرتين وثلاث، حتى إنك أنت وأنت أجنبي لا علاقة لك بالأمر ينفد صبرك وتحترق أعصابك، ما هؤلاء الناس؟! لكن الشيخ لا يخرج عن طوره أبداً، بل يتحلى بالحلم وبالصبر، وقد يأتيه أناس سيئوا الأخلاق، حتى إنه ربما أتاه إنسان فأمسك به، وقال له يا شيخ: اتق الله، فبدل أن الشيخ ينتفض ويضطرب ويغضب عليه، ويقول: ماذا رأيتني أفعل؟ أو ابتعد عني يا سيئ الخلق، تجد الشيخ يطأطئ رأسه ثم تنهمل دموعه على وجنتيه، هذه والله العظيم أخلاق أنبياء، وهي شهادة لله.
ولا يعرف ذلك إلا من عاشر الشيخ وعرفه عن كثب وعن قرب، فأسأل الله في هذه الساعة المباركة أن يطيل في عمره في مصلحة الإسلام والمسلمين، وأن يختم لنا وله بخير، وأسأله جل وعلا أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً.
اللهم اجمعنا في جناتك جنات النعيم، مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.