الأثر الثاني: هو إتاحة الفرصة للعدو للنيل من المسلمين، فالعدو لا شك أنه يفرح حين يجد أن المسلمين أصبحت سهامهم توجه إلى صدورهم، وحينئذ يدرك أن الخطر منهم قد زال، وأنه ليس بحاجة إلى مواجهة المسلمين؛ لأن المسلمين يمكن أن يقضي بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضاً، ويسفك بعضهم دم بعض، ويهتك بعضهم عرض بعض، ويؤذي بعضهم بعضاً، ويهدم بعضهم ما يبنيه الآخر، فلا داعي بأن يشتغل الأعداء بذلك.
وأضرب لهذا مثلاً واقعياً وقريباً: وهو ما تناقلته وكالات الأنباء الغربية مما يسمونه مجزرة -على حسب قولهم- فرخار في أفغانستان والتي حدثت بين فئتين من المسلمين، فقد فرح الإعلام الغربي وهلل وسماها مجزرة، مع أن القتل فيها ليس إلى هذا الحد.
فكبروا القضية، وأصبحوا يربطونها بالخلافات الجذرية والجوهرية بين الجماعات المقاتلة، وبنوا عليها أن الدولة التي أقامها المجاهدون دولة مهلهلة، وأصبحوا يكبرون هذه القضية ويضخمونها، وبالتالي تناقلتها وكالات الأنباء وأجهزة الإعلام والصحف العربية وكبرتها أيضاً، وقد فرح بها الأعداء لأنها صراع بين فئتين من المسلمين.
ولا أريد أن أتحدث عن هذه النقطة بالذات فالذي أعجبني حول هذه النقطة هو ما قاله أحد المجاهدين هناك تعليقاً على هذا الموقف، قال: إن الأفغان الذين يخوضون المعركة ضد الروس ليسوا مجموعة قليلة من الأفراد؛ من الدعاة أو من طلاب العلم ممن ينتظر منهم أن يكونوا -مثلاً- على مستوى معين، بل الشعب الأفغاني بكامله يقاتل، والشعب بطبيعة الحال ليس كله على مستوى واحد في العلم والفهم والإدراك؛ بل يوجد منهم من هو على مستوى عال من ذلك، ويوجد منهم من هو دون ذلك.
وبالتالي يمكن أن توجد هذه الأخطاء وهذه التجاوزات عندهم بصورة طبيعية، كما أن زعماء المجاهدين حاولوا تلافي هذا الأمر من خلال قيام بعض العلماء بجهود لرأب الصدع، والحمد لله وصلوا إلى نتائج نرجو أن تكون مشجعة إن شاء الله.
وليس موضوع حديثي هو مجزرة فرخار بذاتها، لكن قصدي أن الأعداء يشمتون ويفرحون حين يوجد أي بادرة اختلاف بين المسلمين، ويهولون هذه القضية وينفخون فيها ويحاولون تعميقها، وبعض المسلمين يعرف ذلك لكن يقول: لا يهمني الأعداء وأنهم يفرحون، بل يهمني أنني أدعو إلى الحق، ولذلك لو أن الأعداء ساعدوه فرح بهذه المساعدة، وقال: هم يريدونها لغرض وأنا أستفيد منها لغرض آخر، وينسى ولا يدرك أن هذا الأمر الذي يفرح الأعداء لا بد أن يكون ضد الأمة الإسلامية.