اختلاف المدارك والعقول والأفهام

السبب الخامس: هو اختلاف العقول والمدارك والأفهام والاجتهادات، والله عز وجل خلق الناس متفاوتين في عقولهم؛ فمنهم العبقري، ومنهم الساذج المغفل، ومنهم بين ذلك، وهذا الاختلاف الذي فُطر عليه الناس وجبلوا عليه يؤدي إلى اختلاف في أشياء كثيرة، ولذلك نجد الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين لأصحابه: {لا يصلين العصر أحدٌ إلا في بني قريظة} فاختلف الصحابة في تطبيق هذا الحديث، مع أنهم اتفقوا على أن الرسول عليه الصلاة والسلام قاله، ومعنى الحديث في الظاهر واضح، لكن اختلفوا في تطبيق هذا الحديث، فمنهم من طبق الحديث بطريقة، ومنهم من طبقه بطريقة أخرى، فالفئة الأولى: صلوا في الطريق، وقالوا: لم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم منا ذلك وإنما أراد الإسراع، وفئة قالوا: لا نصلي العصر إلا في بني قريظة حتى لو فاتتنا صلاة العصر، فأخروا الصلاة إلى أن وصلوا إلى بني قريظة.

فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يعنف أحداً منهم، فعلّمنا بذلك عليه الصلاة والسلام أن الناس يختلفون في عقولهم ومداركهم، وأن النصوص الشرعية جاء فيها مجال الاختلاف فيما لم يكن قطعي الدلالة.

إذاً العقول تختلف! من ذلك -أيضاً- اختلاف الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في أمور كثيرة؛ منها قضية الخلافة، فقد تفاوضوا أول الأمر حين كانوا في السقيفة من يبايعون، ثم اتفقوا بعد ذلك على بيعة أبي بكر فأجمع المسلمون على بيعة أبي بكر وأنه أفضل الصحابة وأفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً الاختلاف في حرب المرتدين في أول الأمر حين كان هناك مرتدون ردة كلية ومنهم من منعوا الزكاة فاختلفوا، فكان عمر وبعض الصحابة يقولون لـ أبي بكر: لو تركنا قتال الذين يمنعون الزكاة ممن يشهدون أن لا إله إلا الله، فقال أبو بكر رضي الله عنه: [[والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها]] فشرح الله صدر عمر وبقية الصحابة لرأي أبي بكر.

والمهم أنه قد وجد الاختلاف في قضايا عملية واجتهادية كثيرة جداً، وهي في الحقيقة لا تنحصر؛ لكن هذه أمثلة، ومن باب أولى يوجد الاختلاف في أمور الواقع بسبب اختلاف العقول، فقد يعجبني شيء ولا يعجبك، وأرى أن الطريق لحل المشكلة كذا وأنت ترى أن الطريق يختلف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015