الاحتمال الثاني: أن تكون عامياً، وحين أقول: عامياً، ليس بالضرورة أن يكون لا يقرأ ولا يكتب، بل قد يكون طبيباً أو مهندساً، أو متخصصاً في أي مجال، لكن في مجال العلم الشرعي لا علم عنده البتة، لا يورد الأمور ولا يصدرها، فهو عامي في مجال العلوم الشرعية، فهنا نقول له: ما دمت عامياً فحكمك التقليد، لكن من تقلد؟ تقلد من تثق بدينه وعلمه، عندك مجموعة من العلماء أفتوا بفتاوى متعددة مختلفة، لا عليك من هذه الفتاوى، ولا تشغل نفسك بها، وفلان قال كذا وفلان خالفه، انظر هؤلاء العلماء، من هو أوثقهم عندك، من حيث العلم والدين والفهم؟ فهذا العالم الذي وثقت بعلمه ودينه، ورأيت أنه أقدم من غيره بهذا المجال، خذ بفتواه ودع ما سواها، ولذلك من الخطأ أن بعض العامة صاروا يتلاعبون بهذه القضايا، فمنهم -مثلاً- من يأخذ من هذه الأقوال ما يشتهي، ليس لأن العالم الذي أفتى به أعلم أو أقدم أو أكبر قدراً، وإنما وجدها فتوى تناسبه فأخذ بها، ويقولون: اجعل بينك وبين النار فقيهاً أو مطوعاً، أو ما أشبه ذلك، وهذا غلط وخطأ! أيضاً من العامة من تجد أنه يقف على رأس كل عالم ويسأله عن مسألة، أو مسائل لا يعرف غيرها، فيذهب إلى هذا العالم فيقول: يا شيخ! ما حكم مثلاً طواف الوداع بالنسبة للعمرة؟ ويذهب للشيخ الفلاني: ما حكم طواف الوداع؟ ثم يذهب للآخر والثالث والرابع والخامس، فيسأل الخمسة كلهم عن مسألة واحدة، ثم يبدأ يقول: أنا سألت فلاناً وقال كذا، وسألت فلاناً وقال كذا، فهذا لا شك أنه متلاعب.
ولذلك نقول للعامي: لا داعي لهذا العمل، وأيضاً هذا العامي لا يقبل حتى نقله للفتوى، لو قال لك إنسان عامي لا علم عنده: الشيخ الفلاني أفتاني بكذا فلا تقبل نقله للفتيا، لأنه قد لا يضبط الفتوى، وقد ينقلها خطأ، وقد يفهم خطأ، وقد يعرض السؤال بصورة غير صحيحة، فحتى نقل الفتوى له ضوابط، وليس كل من نقل فتوى تقبل منه.
إنما على العامي ألا يتلاعب بالفتوى بهذه الطريقة، إذا عرضت له مسألة أو نازلة، بل ينظر أحد العلماء الذي يثق بعلمه ودينه فيسأله، ولا باس أن يسأله عن الدليل في المسألة أيضاً، ثم يأخذ بهذه الفتوى ويعمل بها.