مأساة الاختلاف

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: أيها الإخوة: لا تكاد تجلس اليوم مع إنسان من المعنيين بشأن الإسلام في أي مكان، إلا ويحدثك بقلب مجروح وعين باكية عن أوضاع المسلمين المتردية، وبالذات عما يعانيه المسلمون في هذه الأيام، بل ومنذ أزمنة طويلة من اختلاف وتباعد فيما بينهم، وهذا الحديث يخوض فيه الكثيرون، يتحدث عنه أولياء الإسلام حديث المشفق الحزين، ويتحدث عنه أعداؤه حديث الشامت الفرح المسرور: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة:148] ولذلك رغبت أن أتحدث عن هذا الموضوع، وأجلي بعض جوانبه، وما دفعني إلى اختيار هذا الموضوع إلا النصيحة -إن شاء الله- لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإنني كغيري من المسلمين نشعر بالحرقة والحسرة والأسف، على ما تعانيه الأمة من تفرق واختلاف، ونتمنى أن يأتي اليوم الذي تجتمع فيه كلمة الأمة الإسلامية على كتاب ربها وسنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم.

وبطبيعة الحال ليس مقصودي من الاختلاف الذي سأتحدث عنه في هذه الليلة، ذلك الاختلاف الجوهري بين المسلمين، اختلاف الفرق المفترقة من أهل الكفر والضلال والزندقة، ومن أصحاب الزيغ العقدي، الذين انفصلوا عن جسم الأمة أو كادوا، وإنما حديثي عن اختلاف أهل السنة والجماعة، الذين وحد بينهم الكتاب والسنة والإجماع، ولم يكن بينهم خلاف عقدي يوجب التناحر والتباعد والتفرق! أما غلاة الصوفية، أو الرافضة، أو القبورية، أو المعتزلة، أو غيرهم من الفرق المنحرفة، فهذه لها شأن آخر، ومباعدة هذه الفرق واعتزالها واجب، لئلا يلتبس الحق مع الباطل: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:42] فلا يجوز أبداً أن يكون مطلب الاجتماع مدعاة إلى نسيان الخلاف الحقيقي الجوهري القائم بين أهل السنة وبين خصومهم، وما زال سلف هذه الأمة يتبرءون من أصحاب هذه البدع، ويعلنون النكير عليها.

إذاً الحديث عن الاختلاف داخل إطار أهل السنة والجماعة، ويمكن أن أقسم الخلاف بين المسلمين، من أهل السنة والجماعة إلى قسمين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015