وأريد الآن أن أبين لماذا يميل الناس غالباً إلى الترك في هذه الأمور؟! ولا يميلون إلى الفعل؟ وهي مسألة مهمة، وفيها فائدة عملية لنا في حياتنا؟ إن الإنسان يميل إلى الترك حتى إذا تشابه عنده أمران يخيل إليه أن الورع أن يترك, وأضرب في ذلك أمثلة, ربما يكون من المفيد أن أذكر بها الإخوة، خاصة بعض الذي لم يكونوا حاضرين.
مثلاً: قد يكون إنسان عليه دين, فحصل له مال، وهذا المال ربما وقع عنده فيه شبهة يسيره، جعلت في نفسه من الورع أن يترك هذا المال, ونسي أن يكون من الورع أن يأخذ هذا المال حتى تبرأ ذمته, أو ذمة والده المتوفى.
كذلك، مثلاً: قد يفهم البعض أن من الورع أن يترك الجهاد مع الإمام الجائر, لما عند هذا الإمام من الفسق والبدع, فيرى أن الورع ألا يلابس هذا الإمام ولا يقترب منه, وينسى أنه أخطأ، وأنَّ من الورع أن يجاهد معه، لأن الجهاد مطلوب ومستحب، وقد يكون فرض عين في بعض الحالات, فقد يترك بعض الناس عملاً من الأعمال كالإمامة والوعظ والتدريس وغيرها, معتقداً أن هذا من الورع؛ لأنه يرى أنه ليس أهلاً لذلك, فيقول: من الورع أن نتركه، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه, وينسى أنه قد يكون من الورع أن يفعل ذلك, ويتصدى له؛ لأن هذا الأمر قد يكون واجباً، وقد يكون مستحباً.
فتلاحظون أن التطبيقات العملية في واقع حياتنا كثيرة جداً -ليس من السهل حصرها- من هذا القبيل, والذي أدعو إليه كل واحد منكم أن يأخذ هذه القاعدة، وهي: أنه من الورع أحياناً أن تفعل ما يشتبه بالمستحب أو بالواجب، ويقارن، فسيجد في واقع حياته وواقع حياة كثير من الناس من حوله، أنهم لا يفهمون من الورع إلا الجانب الأول, لماذا؟