التكفير عند أهل السنة والجماعة

Q ما هو معتقد السلف في قضية التكفير؟ وهل من أعمدة أهل السنة والجماعة؟

صلى الله عليه وسلم صحيح أن هذا موضوع التكفير يحتاج لا أقول محاضرةً بل يمكن دورة أحياناً، لكني أريد أن أقول: أولاً: التذكير بقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيح من حديث ابن عمر وغيره: (من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما) والحديث الآخر: (فإن كان كذلك وإلا حار عليه) وقوله صلى الله عليه وسلم هذا يؤكد على أن المسلم ينبغي أن يتوقى الحكم بالتكفير، حتى لو كان الشخص يحتمل أن يكون كذلك؛ لأنه لو لم يكن كذلك رجع التكفير عليك، لكن دعونا نتذكر هذه النقطة المهمة جداً ونعتبرها قضية منهجية، فعندما ننظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هل نجد أنه كفَّر أحداً ممن ادعى الإسلام؟!! لا.

المنافقون مثلاً قال الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة:101] فهو سبحانه يعلمهم، ومع ذلك لم يعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعاملهم معاملة المسلمين.

الرجل الذي قال: (اعدل يا محمد) وفي مرة قال: (هذه قسمة ما أريد بها وجه الله) ومع ذلك قال بعض الصحابة عمر أو غيره: (دعني أضرب عنقه يا رسول الله! قال: لعلَّه أن يكون يصلي) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) وهذا الحديث عظيم، ذكر فيه ابن تيمية رحمه الله أن كل من توضأ بنية وصلَّى فهو مسلم، إلا أن يكون منافقاً؛ عادة المنافق ألا ينوي، لكن من توضأ بنية وصلَّى بنية فالأصل أنه مسلم، حتى لو وقع في أخطاء، ويقول رحمه الله: كائناً ما كان خطؤه.

فمسألة التكفير ليست بالمسألة الهينة، قد يقع الإنسان أحياناً في كفر ولكن لا يوصف بأنه كافر؛ لأنه يقع فيه بسبب التأويل، أو بسبب الجهل، أو الإكراه، فيوجد نوع من العوارض الأهلية التي تمنع من إصدار الحكم عليه.

كذلك الصحابة رضي الله عنهم والخلفاء الراشدون، هل تجد أنهم كانوا يصدرون أحكاماً بالتكفير على أحد؟!! ربما تقرأ سيرتهم فيعييك أن تجد أنهم حكموا على شخص واحد ممن يدعي الإسلام بالتكفير.

ثم انظر للسلف كالأئمة الأربعة مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم، كم عدد الأحكام التي أصدروها على الناس؟ وهل كان يوجد هناك كفار؟ هل كان هناك منافقون؟ هل كان يوجد مذاهب ونحل باطلة؟ بلى؛ كانت توجد، ولكنهم كانوا يعالجون هذه النحل، ويردون عليها، ويبينون الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، دون أن يقحموا أنفسهم في الحكم على الشخص المعين، فالأصل أن من ادعى الإسلام يسلم له بهذه الدعوى، وحتى لو وقع في نوع من الكفر؛ فإنه قد يكون ذلك بتأويل أو بجهل أو بإكراه، فلا يحكم عليه إلا بعد توفر الشروط وزوال الموانع، كما نص عليه الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

ولأن يخطئ الإنسان في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة، فمسألة كون كثير من الإخوة أحياناً ربما يحملهم فرط الغيرة أوالخلاف مع شخص، أو كأن سمع كلمة بشعة أو فظيعة استعجل في التكفير، وربما لو سألته: هل أنت متأكد أن فلاناً قال هذه الكلمة؟ قال: والله ما أدري، وإنما سمعت فلاناً يقول.

إذاً عليك بالآتي: أولاً: تأكد أن كون هذا الإنسان قال هذه الكلمة.

ثانياً: تأكد أن هذه الكلمة لا تحتمل تأويلاً آخر إلا الكفر، أي: ليس لها إلا وجهاً واحداً، أنا رأيت من قد يتعجل بتكفير الناس بأقوال أقول: إنها ليست خطأ أصلاً، فضلاًَ عن أن تكون قولاً مرجوحاً.

فأحياناً ربما قصر فهم الإنسان أو عدم إدراكه يجعله يتسرع في الحكم على الآخرين بالتكفير ولا فائدة، ثم ماذا إذا كفرته؟ هل أنت قاضٍ؟ هل أنت حاكم؟ إنما مثلك مثل غيرك أنك من المسلمين بشر ممن خلق: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:284] والأولى ألا يتسرع ويتجرأ الناس على إطلاق أحكام التكفير، احكم على الفعل، أحياناً تستخدم لغة القرآن والسنة فإنها تكفيك، فالله سبحانه وتعالى عندما يقول مثلاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51] لم يقل: فإنهم من الكافرين، أو فهو كافر، قال: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] والآية الأخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} [الممتحنة:1] إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة:1] فأحياناً لغة القرآن والسنة تغني عن الدخول في مضايق أو متاهات ربما تصبح أسلوباً أو منهجاً قد يتسامح فيه ويتسرع فيه بعض الناس حتى لمن لا يستحق.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، والطف بإخواننا المسلمين في كل مكان.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا، واسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين! يا واحد يا أحد يا صمد! يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد! يا منان! يا بديع السموات والأرض! اللهم احفظ إخواننا المسلمين فوق كل أرض وتحت كل سماء، اللهم احفظهم في كل مكان، اللهم احفظهم يا خير الحافظين، اللهم سدد سهامهم ورأيهم ورميهم واجمعهم على الحق والهدى، اللهم انصرهم يا خير الناصرين، اللهم اخذل أعداء الإسلام والمسلمين، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم يوماً أسوداً كيوم فرعون وقومه، اللهم إنهم قد طغوا وبغوا وتجاوزوا الحد فهيئ لهم يداً حاصدة لا تبقي ولا تذر.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015