كان الإمام مالك نفسه رحمه الله كان يقول: [[إياكم والأغلوطات]] .
المسائل الشائكة التي لا نص فيها -مثلاً- أو المسائل التي ظاهر النصوص فيها التعارض، وتحتاج إلى بحث وتأمل، وعمق ونظر وعقل، وقد تجد الكثيرين يميلون ويندفعون إلى البحث في هذه القضايا والمسائل، قبل أن يبحثوا في القواعد الشرعية المعروفة، وقبل أن يلموا بالأصول الكلية، والقواعد المرعية في الشريعة، فهذا شاب -مثلاً- يجتهد في مسألة من مسائل الاعتقاد، التي استقر رأي الأمة فيها منذ زمن بعيد على قول واضح صحيح، ثم يستحدث في هذه المسائل رأياً جديداً، يظن أنه غاب عن عقول الجهابذة والعظماء، وفُتح عليه فيه على رغم صغر سنه، وهذا آخر يجعل نفسه حكماً بين أهل العلم فيما شجر بينهم، فيضيع وقته في غير طائل، ويذهب الناس بالعلم النافع المقرب إلى الله تعالى، أما هو فما في جرابه إلا: قال فلان وقال: علان.
ولم نستفد من كدنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا هذا أصاب، وهذا أخطأ! وهذا طلع، وهذا نزل! وهذا قال، وهذا لم يقل! فما يجد أنه جمع على طول الوقت وكثرة الطلب، إلا شيئاً لا يسمن ولا يغني من جوع؛ فإنه لا يُسأل يوم القيامة عن أقوال الناس، إنما يُسأل: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] أما أقوال الناس فهي كثيرة، والإحاطة بها صعبة والرد عليها أصعب، ودعك من هؤلاء، أخطأوا أم أصابوا، المهم أن تقبل على شأنك فتصلح ما بينك وبين الله، وتقبل على علم الشريعة، فتأخذ مما أقدرك الله عليه، وتشتغل به عن الآخرين، {وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس} .
هب أن هناك من أخطأ في العلم الشرعي، فلماذا تجعل من نفسك رقيباً عليه؟! ألا تدري أنك لو لقيت الله تعالى، وأنت لم تلعن فرعون، فرعون الذي هو أكفر الناس في زمانه، لو لقيت الله تعالى يوم القيامة وأنت لم تلعن فرعون، سوى أنك قرأت القرآن، ما عاقبك الله تعالى لماذا لم تلعن فرعون أو هامان أو قارون؟ إذاً لا يضيرك أن تكون أعرضت عن فلان أخطأ، وفلان زل، وفلان قال، وفلان لم يقل، المهم أن تقبل على علم الشريعة، وعلى "قال الله" "قال رسوله" الذي هو نور القلوب، وحياة النفوس، وجلاء الأفهام، وزوال ما في الصدور، ولا تشغل قلبك ببنيات الطريق، التي تحول بينك وبين الوصول إلى الحق، وإلى الطريق المستقيم.