طلب العلم في عهود السلف الصالح

كانت الظروف والأسباب في عهود السلف الصالح، مهيأة للتعليم، ولم يكن ثمة عوائق أو صوارف تحول بين الإنسان وبين التعليم، فالعالم أو طالب العلم، ولو كان في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، إذا أتى إلى المسجد، وجد الأبواب مفتوحة، والفرص مهيأة والمجالس قائمة للتعلم، فإذا ذهب إلى السوق وجد الأسباب نفسها موجودة، فإذا ذهب إلى البيت وجد من تحريض الوالدين والإخوة والأهل ما يكون خير معين له على مواصلة الطلب والتحصيل، فيكون المجتمع كله يقول لهذا الشاب: تعلم العلم، ونحن وراءك، نشد أزرك، ونساعدك ونؤيدك.

وقد كان للإمام مالك مع أمه قصة معروفة في سيرته، إذ أنها كانت تحرضه على طلب العلم، وتنفق عليه من الأموال الموجودة لديها، حتى يستغني عن التجارة.

يقول الإمام الشافعي رحمه الله: [[لو كلفت شراء بصلة ما فهمت مسألة]] .

وكلام الشافعي هذا كالرمز، وإلا فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم كانوا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويبيعون ويشترون، ويزرعون، ويجاهدون، ويتعلمون، ومع ذلك كانوا هم أعلم العلماء.

وإنما المقصود أن المجتمع يجب أن يكون سنداً ومعيناً لطالب العلم، منذ نعومة أظفاره وصغره في تحصيل العلم وتهيئة أسبابه.

أما إذا كانت المسألة على النقيض، فكان المجتمع كله يحرض طالب العلم على الانصراف، فإذا جاء إلى المسجد وجد الإعراض، والأسباب غير مهيأة، والأبواب أحياناً مقفلة، والإضاءة غير كافية، والوسائل التي تعينه على البقاء ليست مكتملة، فإذا ذهب إلى البيت وجد المعوقات والمثبطات والمغريات والصوارف، وإذا ذهب إلى الشارع وجد قرناء السوء، الذين يغرونه بالمجالس السيئة التي لا خير من ورائها، فإذا ذهب إلى المدرسة، وإلى الجيران، والأصدقاء وجد أن المجتمع كله حجر عثرة أمامه في طريق التحصيل، فحينئذٍ لا ينجح ولا يفلح في ذلك إلا أصحاب الهمم العالية والنفوس الصلبة، الذين يواصلون ويصرون ويدأبون ويقدرون على تخطي هذه العقبات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015