متى طلب مالك العلم؟

لقد طلب العلم وهو ابن بضع عشرة سنة، وتأهل للفتيا قبل بلوغه الثامنة عشرة، وجلس للإفادة في مجلس العلم وعمره إحدى وعشرون سنة، وحدث عنه آنذاك جماعة وهو في مقتبل شبابه، وفي آخر خلافة أبي جعفر المنصور، رحل الناس إلى مالك من الآفاق، وازدحموا عليه حتى آخر عمره.

إذًا: هذا يؤكد لنا البيئة التي تربى فيها شاب، مثل الإمام مالك في عهود السلف الصالحين، فأولاً: لم يكن القدوة في ذلك المجتمع إلا طالب العلم، فكان الشاب الصغير ينشأ وهو يرى الناس يشيرون إلى العالم بالبنان، فإذا أقبل أطرقوا رؤوسهم وطأطئوا، وأخلوا له الطريق، وسلموا عليه، وحيَّوه، ومسوه بالخير وصبحوه، وأجَلّوه وعظموه، لا لأنه يملك الأرصدة العظيمة، ولا لأنه يتربع على عرش وظيفة رسمية، ولا لأنهم يستفيدون منه مغنماً دنيوياً؛ لكن لأن هذا العالم يطوي بين جنبيه هداية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلم الصالحين، فهم لذلك يُوَقِرونَه ويعظمونه، ويرون أن توقيره من توقير دين الله عز وجلّ وتعظيمه، فينشأ الصغير وهو يحمل الود والإجلال والإكبار لهذا العالم، وينظر إليه على أنه هو الأسوة والقدوة، وأنه يتمنى أن يكون في مثل مقامه ومنزلته.

وهكذا ينشأ الصغير، يتلقى عملياً دروس الإجلال والإكبار للعلماء والفقهاء، وأهل الدين والعلم والدعوة والجهاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015