الإحسان إلى الناس

الأمر الثاني: الذي يحببك إلى الناس ويجعلك تكتسب مودتهم، هو الإحسان إليهم، الإحسان والرسول صلى الله عليه وسلم يلقننا من دروس الإحسان شيئاً عجيباً، فمن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم يقول كما في حديث شداد بن أوس الذي رواه مسلم: {إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته} أي نفترض أن الإنسان يريد أن يذبح ذبيحة، فهنا الإسلام يطالبك بأن تكون محسناً لهذه الذبيحة وأنت تذبحها.

فمثلاً: لا تحد الشفرة أمام الذبيحة، ولا تؤذيها، بل اجعل السكين حادة حتى تزهق روحها بسرعة، ولا تذبح واحدة أمام الأخرى، كما ذكر ذلك بعض أهل العلم، وكل سبب من أسباب الإحسان إلى الذبيحة مطلوب، وهذه الذبيحة بعد خمس دقائق سوف تكون انتهت، وهي حيوان لن يلقاك يوماً من الأيام، ويحقد عليك أو يسألك لماذا ذبحته بهذه الطريقة أو تلك؟! ومهما آذيته فهو سوف تزهق روحه بعد دقائق، ومع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرك بأن تحد شفرتك، وتريح ذبيحتك.

وخذ مثلا آخر: رجل مستحق للقتل؛ إما لأنه قتل نفساً بغير حق، أو لغير ذلك من الأسباب، فالرسول صلى الله عليه وسلم يأمر من يقتله بأن يحسن القتلة -يعني طريقة القتل- وإذا كان الإسلام يأمرك بأن تحسن إلى الذبيحة، وتحسن إلى القتيل، فما بالك بغير ذلك؟ ما بالك بالإحسان إلى غيره من سائر الناس؟ بل أعجب من ذلك وأعجب، أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أصحابه بتلك القصص العجيبة، التي تهز النفوس يوماً من الأيام، يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: {إن امرأة من بني إسرائيل أصابها العطش، فذهبت حتى وجدت بئراً فنزلت فشربت، ثم صعدت فوجدت كلباً يلهث الثرى من شدة العطش، فقالت هذه المرأة: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغني} ولذلك الإنسان إذا بلغه الجوع والعطش تذكر المحتاجين، والشاعر من قبل كان يقول: لعمري لقدماً عضني الجوع عضةً فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا والله عز وجل أرشدنا وأمرنا بالصيام، حتى نتذكر الفقراء والمحتاجين، هذا من أسرار الصيام فنحسن إليهم.

المهم أن هذه المرأة قالت: {لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي، فنزعت خفها ونزلت إلى البئر ثم ملأت الخف بالماء وعضته بفمها وتمسكت بيدها وصعدت البئر، ثم سقت الكلب} وكانت بغية زانية، تتاجر بعرضها، فلما حصل منها هذا العمل الذي هو في نظرنا بسيط، {شكر الله لها، فغفر لها} ولعل الله تاب عليها، فأقلعت عما كانت عليه.

انظر كيف تكون قيمة الإحسان، الإحسان إلى كلب، فما بالك بالإحسان إلى مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، كيف يكون قدره عند الله عز وجل؟.

وفي مقابل ذلك أخبرنا صلى الله عليه وسلم، عن المرأة الإسرائيلية الأخرى، التي ذكر لما كان يصلي الكسوف، والحديث في الصحيحين، أنه كسفت الشمس، فصلى صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وأطال الصلاة، فتقدم أثناء الصلاة، ثم تكعكع وتراجع إلى الوراء، فلما سلم قال له أصحابه: يا رسول الله! رأيناك تقدمت ثم رأيناك تكعكعت -يعني تراجعت إلى الوراء- فقال عليه الصلاة والسلام: {أما حين رأيتموني تقدمت فإني رأيت الجنة في عرض هذا الجدار فهممت أن آخذ منها قطفاً من عنب، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ثم عرضت لي النار حتى قلت: يا رب! وأنا فيهم؟ -يعني خشي أن تأكل النار المدينة في ذلك العصر- فقال: يا رب! كيف تعذبهم وأنا فيهم} ثم ذكر صلى الله عليه وسلم أنه رأى فيها ورأى فيها، ورأى فيها صاحب المحجن، وهو رجل يسرق الحجيج بمحجنه، وذلك أن معه عصا في نهايتها محجن، فيضعه في متاع الحاج، ثم يجره فإذا فطن الحجاج له، قال: أنا ما علمت، إنما تعلق هذا بمحجني، وإذا لم يفطنوا له سرقه، فيقول: {رأيته متكئاً على محجنه} ورأى عمرو بن لحي الذي سيب السوائب، وجلب الأصنام إلى جزيرة العرب، رآه يجر قصبه -والعياذ بالله يجر أمعائه في نار جهنم- وهو أول من سيب السوائب، قال: {ورأيت امرأة تخمشها هرة، حبستها هذه المرأة، لا هي أطعمتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض} فماتت فدخلت فيها النار.

إذاً يا مسلمون! الإحسان إلى القطط والكلاب والحيوانات، هذا له مكانه عند الله عز وجل، فما بالك بالإحسان إلى المسلمين؟ ما بالك بالإحسان إلى أصحاب لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ ما بالك بالإحسان إلى المترددين على المساجد، والمحافظين عليها؟! لا شك أن له عند الله فضل عظيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015