مفاهيم خاطئة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

Q في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما معناه {إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وعندما نسمع هذا الحديث ونعرضه على واقعنا، فإننا نجد فيه تطابقاً نوعاً ما، فهل آن أوان إصلاح النفس والاكتفاء بذلك؟

صلى الله عليه وسلم الحديث: صحيح، ولكن ظن السائل أنه متطابق مع الواقع، وهذا غير صحيح، وهذا الحديث يطول الكلام عنه، هذا بحد ذاته موضوع مستقل، لكن أشير إلى أن هناك قاعدة عامة: أن الناس إذا أرادوا تقويم واقع ما، أو الحديث عن هذا الواقع يتفاوتون، فبعض الناس يبالغ في التفاؤل، حتى لا يرى إلا الجانب المشرق، لا يرى إلا الأشياء الطيبة، وبعض الناس يبالغ في التشاؤم حتى لا يرى إلا الأشياء السيئة والرديئة، وبعضهم يضرب لهذا مثلاً، فيقول: إن اثنين أحدهما متفائل والآخر متشائم، عُرض أمام أعينهما كأس، نصفه ماء - فيه ماء إلى نصفه- فتجد المتشائم يقول: هذا الكأس نصفه فارغ، وتجد المتفائل يقول هذا الكأس نصفه ملآن، والحقيقة واحدة، والإنسان الثالث معتدل المزاج، ينظر نظرة متوازنة، فيقول: هذا الكأس نصفه فارغ ونصفه ملآن.

والمقصود بذلك أن من الناس من ينظر اليوم للمجتمع، فيقول: يا أخي! المجتمع ولى وأدبر وانتشرت المنكرات، ثم يذكر لك قصص شباب، وقصص انحراف جماعية وفردية وكذا، حتى تَسْوَدّ الدنيا في عينيك، ولا يهنأ الإنسان -أحياناً- بعيشه إذا سمع مثل هذه الأخبار.

وآخرون -إذا جلسوا- ذكروا لك قصص الخير والصلاح، وفلان اهتدى، وفلان استقام، والمدرسة الفلانية والمكان الفلاني، والمسجد الفلاني، وذكروا لك من قصص الدعاة والعلماء وطلاب العلم والمشايخ، ما يبهج النفس، وهذا موجود في العالم كله.

ولذلك أسأل السائل وغيره سؤالاً: إن الذي يدعو إلى الله عز وجل، هل يجد من يستجيب له أو لا يجد؟ لا أعتقد أن أحداً يقول: لا يجد، وهذا دليل على أنه ما وصلت القضية إلى إعجاب كل ذي رأي برأيه، بمعنى أن الضابط في ذلك؛ متى يُتْرك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ الآن ألسنا عرفنا وجوبه بالقرآن والسنة والأحاديث المحكمة الصريحة؟ بلى، ولكن متى نخرج عن هذا الوجوب المحكم الظاهر المستيقن؟ لا نخرج إلا بيقين -أيضاً- ومتى يحصل اليقين بأنه ليس عليك أن تأمر ولا تنهى؟ الجواب: وهو الضابط إذا صرت في حال تأمر فلا تطاع، وتنهى فلا تطاع، وعملت على ذلك بما تستطيع من الوسائل والأساليب والحيل، فما استجيب لك.

حينئذٍ أنت في حِلٍ من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا متى يكون؟ كما أسلفت في أول الحديث: هذا لا يكون في مستوى الأمة كلها إلا قبيل قيام الساعة، وبعد قبض أرواح المؤمنين، لا يكون في الأمة كلها إلا في ذلك الوقت، فانتبهوا لهذا حتى لا تطيش الموازين في نفوسنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015