الساحة الإسلامية اليوم تكاد أن تخلو من الإمكانيات العلمية والعملية والدعوية، والمسلمون أمامهم مضمار طويل جداً، يحتاجون إلى أن يجندوا فيه من الإمكانيات والأعداد والكوادر الهائلة في كل مجال؛ حتى يصلوا إلى المستوى الذي يكونون جديرين فيه بنصر الله عز وجل لهم، وأقول: المسلمون الآن غير مؤهلين في الواقع لأن يقوموا بحضارة على مستوى العالم، لأنهم لا يزالون دون هذا المستوى في وضعهم الحاضر، فهم بحاجة إلى وقت وإلى جهود جبارة في كافة المجالات، يحتاجون إلى التربية الإيمانية الصادقة، وإلى تصحيح العقيدة وتصفيتها وترسيخها في النفوس، ويحتاجون إلى بناء العقليات الناضجة المتعقلة، البعيدة عن الاندفاع والهيجان والتقلب والاضطراب، ويحتاجون إلى الاندفاع في كل مجال للبناء والإصلاح والتعمير، يحتاج المسلمون في كل مجال من مجالات الحياة المباحة إلى أعداد كبيرة غفيرة، تجند وتجيش لخدمة الإسلام والمسلمين.
في المجال الطبي -مثلاً- وفي مجال التقنية والتصنيع، والاقتصاد، وفي مجال الاجتماع، ومن ذلك أيضاً في مجال الإعداد المادي، والقوة المادية، وقبل ذلك كله في المجال الشرعي، وتصحيح عقائد الناس، وتصحيح أخلاقهم وعباداتهم، ودعوتهم إلى الالتزام بالكتاب والسنة، وتصحيح مفاهيمهم بحيث يكون هذا هو الإطار العام، الذي ينطلق منه المسلمون إلى كل مكان.
فالقضية ليست بالبساطة، وأنك تتصور أنه كما يقول أحدهم: أصدقاء الحروف لا تعذلوني إن تفجرتُ أيها الاصدقاءُ كُل أحبابي القدامى نسوني لا نوار تجيبُ أو عفراءُ عندما تبدأ القنابل بالعزفِ تموتُ القصائدُ العصماءُ صحيحٌ أن القصائد العصماء تموت إذا بدأت القنابل، لا نريد من القصيدة العصماء أن تلقيها والناس يتقاتلون، لكن نحتاج إلى الإيمان الصادق، ونحتاج إلى الخبرة، والدراية، ونحتاج إلى ألوانٍ كثيرة من شئون الحياة، ومن العلوم التي يفتقر إليها المسلمون في واقعهم، وينبغي أن ندرك العلل في جسم الإسلام حتى نعرف كيف نخرج، وإلا فسوف نظل ندور في حلقة مفرغة ولا نخرج منها.
فلابد ألا نسرفإذاً- في تقدير قيمة القوة العسكرية والحل العسكري، وأن نضعه في موضعه الطبيعي، هي جزء من القوة، لكن هناك قوى أخرى كثيرة قبلها ومعها وبعدها نحتاج إليها، هذا الإسراف في تقدير القوة العسكرية مخالف للسنن الإلهية.
ولا داعي لأن يتعجل الناس، الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه قال الله لهم: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر:77] وفي الآية الأخرى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد:40] والرسول عليه الصلاة والسلام حينما كان يربي أصحابه، ما رباهم على أن قال لهم: إنكم ستملكون فارس والروم وغيرها، خاصةً في مكة، بل رباهم على أن قال لهم: {تبايعونني على الموت ولكم الجنة قالوا: ربح البيع لا نقيل، ولا نستقيل} .
هذه هي القضية، إذاً القضية مربوطة بالدار الآخرة، وأن هناك جنةً عرضها السموات والأرض لمن جاهدوا في سبيل الله، وصبروا وقاتلوا وقتلوا، أما قضية أنه في الدنيا يحصل شيئاً أو ما يحصل، أو ينتصر أو ما ينتصر، أو يغلب أو ما يغلب، هذا أمر مرده إلى الله عز وجل، قد يعطى لهذا الجيل أو للجيل الذي بعده، هذا الأمر غيبٌ عند الله عز وجل.
عود على بدء؛ فإن إيجابيات الجهاد الأفغاني كثيرة، ومع ذلك لا يعني أننا ننكر أن الجهاد الأفغاني -كأي عملٍ إنساني وكأي عمل إسلامي- لا يخلو من سلبيات هنا أو هناك، وينبغي أن تكون الصورة معتدلة في أذهان الناس، حتى لا يقاجئوا بأي وضع جديد يحدث، فيحصل عندهم صدمة، فبدلاً من الحماس الذي كان يقول: يجب ويجب، تحول إلى حماسٍ مضاد، يقول: يحرم ويحرم! فينبغي ألا نعيش ردود فعل دائماً وأبداً ننتقل من النقيض إلى النقيض، هذا سيفقد الناس الثقة بنا، كدعاةٍ للإسلام، وطلبة علم، وسيفقد الناس -أيضاً- الثقة بالجهاد ليس في أفغانستان فقط، بل في كل مكان، وهذا لاشك ليس من مصلحة الجهاد ولا المجاهدين، ولا من مصلحة الإسلام والمسلمين.