Q كثير من الناس يردد أن هذا العصر هو عصر الماديات وليس عصر الحقائق، وأن الحقائق لا تنفع في هذا الوقت، بل لا بد من المجاملة في جميع نواحي الحياة، ويصعب تطبيق الحقائق؛ لأن المرء يفقد مقوماتٍ كثيرة في مقومات الحياة؟
صلى الله عليه وسلم بوب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه (باب: ما جاء في مداراة الناس) فنحن بدلاً من كلمة المجاملة قد نجد كلمة المداراة، كلمة أدق في التعبير، ووضع تحت هذا الباب حديثاً عن عائشة رضي الله عنها {أن رجلاً من الأعراب استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة هو! فلما دخل الرجل، هش الرسول صلى الله عليه وسلم في وجهه واستقبله ورحب به، فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله! قلت في هذا الرجل ما قلت، ثم بششت في وجهه! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! إن من شر الناس من تركه الناس أو من ودعه الناس مخافة شره} .
فمداراة الناس مطلوبة ولا تنقض الحقائق، والإنسان لا بد أن يكون حكيماً في تصرفاته، ولا شك أن الناس في هذا الزمان ابتعدوا عن الخير والحق، وضعف إيمانهم، وكثرت الانحرافات عندهم، فلو جاء إنسان يريد أن يحمل الناس على طريق لا ينحرف قيد أنملة، ربما لا يستفيد من الناس؛ بل ربما أنه ينفرهم.
فالمطلوب من الإنسان أن يحرص على تنمية نفسه وترقيتها، وفيما يتعلق بالناس يأتيهم بالأسلوب اللين الحكيم اللبق، وإذا كان مطلوباً المجادلة بالتي هي أحسن مع غير المسلم فمن باب أولى مع المسلم أن تلاينه، وتلاطفه، وتأتيه شيئاً فشيئاً.
فمثلاً: لو لاحظت على إنسان معصيتين، إحداهما: صغيرة، والأخرى: كبيرة، قد يكون من غير المناسب أن تأتي له وتقول له: يا أخي! أنت عندك كذا، وعندك كذا، فتسرد عليه مجموعة من المعاصي، وكأنك تقول له: إنك مجموعة من الأخطاء، فربما لا يقبل منك شيئاً أبداً، لكن اذهب إليه وتحدث معه، وأثنِ عليه ببعض الخصائص التي فيه، وكل إنسان لا يخلو من خير ولو خصلة من خير، امدحه بالخصلة هذه، اثنِ عليه بالخصلة هذه، أو بموقف طيب له، فإذا شعر أنك قد أنصفته ذكرت له الخصلة الكبيرة التي وقع فيها، فإذا استجاب لك، بعد فترة يمكن أن تذكر له الخصلة الصغيرة وهكذا، فالمداراة والأسلوب اللين لا شيء فيه، والحقيقة يمكن يكون قصد السائل أمراً آخر غير هذا، فما فهمت من السؤال إلا هذا.