في تفسير (وهَمَّ بها)

Q ما هو المقصود بقوله تعالى عن يوسف عليه السلام: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24] .

أرجو التوضيح؟

صلى الله عليه وسلم العلماء والمفسرون، درج كثير منهم على أن يفسروا (الهم) هنا بمعنى غير متبادر، فيقولون -مثلاً- كما سمعتم ربما في القصيدة المشهورة: وهمت به لكماً وهم بضربها يقول: هي همت به تريده، وهو هم بها يضربها، ويقصدون من وراء ذلك أنهم ينزهون يوسف عليه السلام من ذلك باعتباره نبياً مرسلاً أن يهم.

ولكن الذي يبدو -والله أعلم- أن الآية على ظاهرها، وأن يوسف عليه السلام حصل منه ما أخبر الله بقوله: (وهمَّ بها) على ما يتبادر من ظاهر المعنى، وما معنى الهم؟ الهم: هو حديث النفس، أو هو نوع من حديث النفس، وهذا أمر ليس هناك ما يدل على أنه لا يمكن أن يقع من يوسف عليه السلام أو من غيره، فهذا الذي يظهر من معنى قوله: (وهمَّ بها) ولذلك لما وصف الله سبحانه وتعالى أصحاب الجنة قال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:40] .

فهذا الإنسان الذي خاف مقام ربه هل حصل في نفسه هوى أو لم يحصل؟ حصل لكن هل استجاب لهذا الهوى؟ لا، {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:40] والهوى: تحرك في نفسه، لكن الفرق هنا بينه وبين الإنسان الذي أتبع نفسه هواها، أن ذلك الإنسان كلما هوي شيئاً فعله، أما المؤمن فإنه ينهى النفس عن الهوى، فيدور الهوى في نفسه فيعصيه، وهذه ميزة المؤمنين، وهذا ما يبدو لي أنه قرره عدد من العلماء المحققين، أيضاً بقية الآية يدل على هذا المعنى وهو قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24] فالظاهر ما قررت، (همَّ بها) يعني: جاس في نفسه حديث بهذه المناسبة حينما أقبلت عليه، ولكن لا يعني ذلك أنه عزم على فعل المعصية؛ لأن هذا لا يفهم من كلمة (وهمَّ بها) نعم فالهم -كما قلت-: هو نوع من حديث النفس دون العزم، -فمثلاً- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {ولقد هممت أن آمر بالصلاة} يعني هم ولم يفعل، حدثته نفسه بهذا الأمر لكن لم يفعل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015