أيها الإخوة: موضوع هذه المحاضرة -كما سمعتم- هو بعنوان: (بين الصورة والحقيقة) ولا أحب أن أتحدث طويلاً؛ لأن الحديث قد يكون فيه نوع من الملل، ولذلك فيمكن أن أتحدث بعض الوقت، لأترك فرصة لبعض الأسئلة التي قد تدور في الأذهان، وجوهر الموضوع الذي أريد أن أشير إليه إشارة عابرة، هو أننا نعاني -نحن المسلمين- في هذه الأيام بل ومنذ فترة طويلة، نعاني من وجود الصورة وغياب الحقيقة.
فصور الأعمال، والأقوال، والعقائد، موجودة عندنا، لكن حقائقها غائبة عنا، والعبرة دائماً هي بالحقيقة وليس بالصورة، فتمثال الأسد ليس أسداً، فلا يُخاف، ولا يُرهب، إنما الذي يُرهب هو الأسد الحقيقي، والصورة التي من خشب لا تحكي الحقيقة المشاهدة، والأمور التي جاءنا بها النبي صلى الله عليه وسلم سواء من أمور الإيمان، أم من أمور العبادات، أم من الأقوال، أم من الأفعال، لم يكن المقصود منها مجرد صورتها الظاهرة، وإن كانت الصورة الظاهرة مطلوبة، لكن كان المقصود الحقيقي هو الحقيقة نفسها، ولأضرب على ذلك بعض الأمثلة: لقد طلب الله سبحانه وتعالى منا في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه سلم أن نؤمن به، وبملائكته، وكتبه، ورسله، ونؤمن باليوم الآخر، وما فيه من جنة ونار، ونؤمن بالقدر، وبالموت، هذه الأشياء طلب منا الله سبحانه وتعالى الإيمان بها، وقطعاً -والحمد لله- أن كل مسلم لا يشك في هذه القضايا من حيث الشك العقلي، فهو مقتنع بها، وما صار مسلماً إلا بذلك، لكن انظر وقارن: هذه الأشياء -التي نحن بحمد الله جميعاً مؤمنون بها- فستجدها هي نفسها الأشياء التي كانت الأجيال الأولى من المؤمنين أيضاً مؤمنة بها، فانظر كيف فعلت هذه الأشياء في واقعهم، ثم انظر كيف فعلت في واقعنا، تدرك أننا نحن نعيش الصورة، وهم كانوا يعيشون الحقيقة.