ثم هناك الفرق الأكبر، وهو: ما يلقاه السعداء في قبورهم من النعيم، ثم ما يلقونه في الآخرة من السعادة والسرور وألوان اللذة؛ التي لا تخطر لهم على بال.
وأعظم من ذلك كله النظر إلى وجه الله الكريم في جنة عدن، قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] .
أما الكفار فهم محرومون من ذلك كله، ومن أعظم الحرمان الذي أصيبوا به: حرمانهم من النظر إلى وجه الله، ولذلك قال سبحانه: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] ليس ذلك فحسب، ليس الأمر هو حرمانهم من النعيم، بل هم يقاسون من ألوان العذاب ما يقاسون، حتى إنهم يطلبون أقل طلب، يطلبون أن يخفف عنهم يومٌ من العذاب، فلا يجابون إلى ذلك، يطلبون الموت فلا يجابون إلى ذلك، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] وكما يقول الشاعر: كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا {يامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:78] .
يطلبون أن يخفف عنهم يوم من العذاب: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] هم لا يستطيعون أن يدعوا، أو يئسوا من الدعاء؛ فصاروا يلتمسون من الخزنة أن يدعوا الله عز وجل أن يخفف عنهم، ما طلبوا أن يقالوا بالكلية، إنما طلبوا التخفيف فقط يوماً من العذاب: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر:50] أي في الدنيا، {قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إلا فِي ضَلالٍ * إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:50-51] .
إذاً إن كان الله عز وجل قد كتبك من السعداء، فأنت سعيد في الدنيا بطاعة الله، بلذة المناجاة، بالأنس بقرب الله عز وجل، سعيد حتى بما تلقى من الأذى في سبيل الله، وبما تجد من التعب في الطاعة، سعيد بكل معاني السعادة، سعيد عند الموت بالبشرى، سعيد في قبرك بما ترى من النعيم، سعيد عند البعث، سعيد بعد الحساب.
وهذا هو جزاء المؤمنين الذين قرروا أن يقضوا حياتهم على وفق ما يرضي الله عز وجل، وإن تعبوا، ونصبوا، وحرموا أنفسهم من اللذات، وإن حرموا أنفسهم مما يتمتع به أبناء جنسهم من الأشياء الدنيوية والشهوات العابرة، جزاءً من جنس العمل.
وأما من كان من الأشقياء، فهو شقي في الدنيا بالتعب في معصية الله، شقي في جسمه، شقي في قلبه، شقي عند موته، شقي في قبره، شقي عند البعث، شقي عند الحساب، شقي بعد الحساب: {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:26] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] .
جعلني الله وإياكم من السعداء في طاعته، وكفاني وإياكم شر أنفسنا، ووفقني وإياكم لما يجب ويرضى، وأعانني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصبرني وإياكم على طاعته وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمداً وآله وصحبه.