إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71] أما بعد:- ففي هذا اليوم السبت، مطلع شهر شعبان نستأنف هذه الدروس، بعد انقطاع طويل وقد كان انقطاع هذه الدروس.
أولاً: بسبب الامتحانات والاستعداد لها، ثم بسبب الإجازة، ثم بسبب امتداد هذه الإجازة وتأجيل الدراسة، مراعاة لهذه الفتنة والغمة التي ألمت بالأمة، التي نسأل الله عز وجل أن يكفي المسلمين شرها، وأن يجعل عاقبتها إلى خير، وأن يرد كيد عدونا في نحره، فلذلك حصل التأجيل.
ولاشك أن تأجيل هذه الدروس لم يكن بالأمر المستحسن عند جميعنا، لا معلماً ولا متعلماً، وذلك لأن الوقت ثمين، والعمر يمضي، وما مضى لا يعود، والعلم -كما هو معروف- بحر زاخر، لا يدرك بيسر وسهولة، فكان طالب العلم حرياً وجديراً بالدأب والاستمرار والمواصلة، لذلك كان التأخير ليس أمراً هيناً على النفس، إنما هو مراعاة لظروف عامة، لابد من مراعاتها.
وقد كتب الله عز وجل بفضله ومنِّه وكرمه أن نستأنف هذه الدروس في هذا اليوم، أما بالنسبة للدروس الأخرى المسائية، فقد رأيت بعد طول تفكير في الموضوع أن من المصلحة أن تؤجل أيضاً؛ بحيث تبدأ دروس المسجد الجامع في وقت واحد، وذلك لمصالح لعلها ظاهرة لا تخفى عليكم.
وعلى كل حال فإنني في هذا اليوم أحببت أن أجعله مقدمة لهذا الدرس، وألا نتناول فيه شيئاً، وبإذن الله تعالى سنبدأ غداً في القراءة من الصحيحين، من صحيح البخاري وصحيح مسلم.
ومن أجل التذكير فيما يتعلق بصحيح البخاري: نستأنف من الحديث الذي وقفنا عليه غداً إن شاء الله، وبالنسبة لصحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: {من قتل نفسه بشيء عذب به} فنستأنف منه غداً إن شاء الله.
ونظراً لأن الوقت عندنا طويل، لكون معظم الإخوة من الطلاب أو المدرسين الذين ليس لديهم في هذه الأيام دوام؛ فإننا سوف نزيد المقدار شيئاً ما فنجعلها في الأصل خمسة أحاديث من , البخاري، وخمسة أحاديث من مسلم؛ على أنه إذا طال الحديث كما هو معتاد يراعى طوله.
أما إذا كان من الأحاديث القصيرة أو شبه القصيرة، فإنها تكون خمسة أحاديث، فإذا كانت متوسطة كانت أربعة، وإذا طالت فكل شيء بحسبه، المهم أن المقدار الأصلي من الأحاديث المحفوظة يكون خمسة من البخاري وخمسة من مسلم للسبب الذي ذكرته، وهو أن معظم الإخوة ليس لديهم دوام، فلا بأس لو امتد الدرس بعض الشيء، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن كثيراً من الإخوة الشباب يشتكون وجود الفراغ لديهم، خاصة في الضحى بسبب عدم وجود دراسة أو عمل يرتبطون به، فيستفاد من هذا الفراغ في حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك يكون في هذا عون لنا على تدارك ما مضى، خاصة ونحن مقبلون على الشهر الكريم شهر رمضان المبارك نسأل الله تعالى أن يبارك لنا في شعبان، وأن يبلغنا رمضان، ويعيننا على صيامه وقيامه ويرزقنا فيه القبول والإجابة فيكون في زيادة المقدار إلى هذا الحد، نوعاً من الإعانة على تدارك ما فات، أو ما قد يأتي من الانقطاع بعض الشيء.
وأود أن أنبه إلى أمر مهم جداً، ألا وهو أن العلم والدراسة ليست أمراً مؤقتاً مربوطاً بالمناسبات، يتوقف عنده طالب العلم، أرأيت المسلم هل يتوقف عن عبادته لربه عز وجل؟! كلا! بل هو يعبد ربه قائماً وقاعداً وعلى جنب، وفي كل الظروف والأحوال.
وكل حالة لها عبادتها التي تخصها، كما قال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] أي: الموت، أما قبل ذلك فالإنسان متعبد: إن كان صحيحاً فله عبادة، وإن كان سقيماً أو مريضاً فله عبادة أخرى، وإن كان غنياً فله عبادة، وإن كان فقيراً فله عبادة، وإن كان عزيزاً فله عبادة، وإن كان ذليلاً فله عبادة، وإن كان قوياً فله عبادة، وإن كان ضعيفاً فله عبادة وهكذا، كل حال من تقلبات الإنسان له فيها تعبد.