Q ما تعليقكم على أنه من الممكن لكل إنسان أن يعمل بحسب قدرته في الدين كما في حديث {يصبح على كل سلامى صدقة} وذكر عدة أمور منها الأمر بالمعروف ومنها مساعدة المحتاجين وغيرها.
صلى الله عليه وسلم الحديث لا يعني أن هذه أشياء ينوب بعضها عن بعض، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بالذات كان يتكلم عن الصدقات، والصدقة أول ما تطلق ماذا يفهم منها؟ المال الصدقة المالية، فالرسول عليه الصلاة السلام يقول: {على كل مؤمن صدقة} أي بالمال، هذا في الأصل، {قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق} فإذا لم يكن عنده، فهنا نقول: مفهوم الصدقة يكون أوسع، فأعمال الخير التي يعملها تكون له صدقة إذا احتسب فيها، مثل: إعانة ذي الحاجة الملهوف، أو إرشاد الأعمى في أرض الضلالة، أو حمل الكل، أو هداية المنحرف، أو الكلمة الطيبة، أو البسمة في وجه أخيك المسلم، أو إفراغك من دلوك في دلو أخيك، أو إيثارك له بالخير على نفسك، أو حملك لإنسان على سيارتك أو راحلتك، أو ما أشبه ذلك من أنواع الصدقات التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعض هذه الصدقات مستحب، وبعضها واجب، والواحد منها قد يكون في حالة مستحباً وفي حالة أخرى واجباً، فمثلاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، قد يكون ليس بواجب في حالات، وذلك إذا وجد من يقوم بهذا العمل وقام بالفرض، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، هنا لا يجب عليك أن تأمر وتنهى ما دام غيرك قد أمر بالمعروف ونهى عن المنكر؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الراجح: فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقي، فما دام من يأمر وينهى موجوداً فقد زال الوجوب، لكن بقي الاستحباب، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر حينئذ؛ إما وجوباً في حالة عدم وجود من يأمر وينهى، أو استحباباً إذا وجد من يأمر وينهى، وفي الحالين فهذا صدقة من الإنسان على نفسه، وصدقة من الإنسان على من أمره بالمعروف أو نهاه عن المنكر، لأن من الصدقة على الإنسان: الإحسان إليه في أمور الدين والدنيا، بل إن الإحسان إليه في أمور الدين أعظم من الإحسان إليه في أمور الدنيا، فإن الإنسان لو مات جوعاً، ولم يجد من يطعمه لقمة يسد بها جوعته، وكان هذا الإنسان مسلماً كان مصيره إلى الجنة، لكن لو كان هذا الإنسان شبعان ريان، يعيش في القصور الفارهة، وكان غير مسلم، فلم يجد من يرشده إلى الطريق الصحيح، ثم مات لكان مصيره إلى النار، ولذلك الله جل وعلا يقول: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:191] يعني: ضرر الإنسان في دينه وفتنته عن دينه أشد من قتله، لأنه قد يقتل شهيداً فيكون مصيره إلى الجنة، فالإحسان إلى الإنسان في أمر دينه أعظم وأفضل عند الله جل وعلا من الإحسان إليه في أمر دنياه.