ما يترتب على عدم الرفق بمن هو في بداية الطريق

حدثني أحد الأشخاص، قال: إنه يعرف شباباً في الحي كانوا يأتون إلى مكان في المسجد لقراءة القرآن وطلب العلم؛ يجلسون فيه، لكن لم يكن لديهم إمكانية أن يستمروا في الحفظ والحضور والطلب والمراجعة، وما أشبه ذلك، فكان عندهم شيء من التساهل في ذلك، وبطبيعة الحال ربما أن الأستاذ أو المعلم لم يكن يطالبهم بشيء أو يلزمهم أو يعاتبهم عليه، لكن- أدبياً - يخجل الطالب منه، يقول: إذا حضر رأى جميع زملائه قد قاموا بجميع الواجب إلا هو فخجل، فأحب أنه إما أن يقوم بالواجب كله كغيره أو يترك هذا الميدان؛ لئلا يصبح مشاراً إليه بالبنان بأنه إنسان كسول ومقصر وغير قائم بما يطلب منه، فظل هؤلاء يتناقصون شيئاً فشيئاً حتى ابتعدوا عن طريق الخير، واستلمهم قرناء السوء؛ حتى صاروا معروفين في حيهم وحارتهم بالفساد والانحلال، وقضاء أوقاتهم في لعب الكرة، والتفحيط في الشوارع، وإيذاء المارة، وربما وقعوا في شرب الدخان، وغير ذلك من المعاصي والفواحش والموبقات.

فلا بد أن يدرك الداعي إلى الله جل وعلا والمعلم أنه أمام أعداد كبيرة من الناس، وأن كل إنسان عنده من الإمكانيات ما ليس عند غيره، فهناك من عنده مواهب سواء في الحفظ، أو في طلب العلم، أو في الخطابة، أو في الشعر، أو في الكتابة، أو في أي موهبة وهبها الله، وهؤلاء في حاجة شديدة إلى من يتعهد هذه المواهب ويسقيها وينميها؛ لتستخدم في سبيل إعزاز الإسلام ونصره.

وفي المقابل هناك من هم دون ذلك، من يحتاجون أن يقادوا إلى طريق الخير رويداً رويداً، ويساقوا إليه سوقاً لطيفاً لا عنيفاً، حتى تألف قلوبهم الخير، وتستسلم له، ويستقر في نفوسهم؛ ولا يلزم أن يتحولوا إلى علماء أو حفاظ أو أئمة أو ما أشبه ذلك، بل كل إنسان يغترف بحسب إنائه؛ فالخير مثل البحر الذي ليس له ساحل ولا نهاية، والناس مثل القوم الواردين على هذا الماء ليغترفوا منه، كل إنسان يغترف بحسب الإناء الذي معه، فالذي معه إناء كبير يأخذ ماءً كثيراً، والذي معه إناء صغير يأخذ ماء قليلاً، وربما يوجد إنسان ليس معه إناء، فيكتفي بأنه ينقع غلته ويأخذ ما يحتاجه لوضوء أو شرب، ثم يدع الباقي.

هذه خاطرة مرت بذهني وأنا أراقب حال بعض الدعاة إلى الله جل وعلا، وأقرأ بعض النصوص المتعلقة بهذا الموضوع كما أسلفت، فأحببت أن ألقيها بين أيديكم، وأترك المجال بعد ذلك إذا كان أحد منكم لديه إضافة، أو تعليق، أو -أيضاً- سؤال، فيمكن أن نستفيد منه في الدقائق الباقية!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015