هذا الفهم -أيضاً- يعضده حديث، آخر هو حديث أبي موسى الأشعريى رضي الله عنه، وهو حديث متفق عليه أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {على كل مؤمن صدقة، قالوا: يا رسول الله! فإن لم يستطع؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق -ما عنده مال، يكتسب، يبيع، يشتري، يحمل، يزرع، فينفع نفسه ويتصدق بما بقي- قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، (وفي لفظ: فليعمل بالمعروف) فقالوا: فإن لم يفعل؟ قال: فليكف شره عن الناس؛ فإنها صدقة منه على نفسه} .
يعني من الممكن أن يصل الحالة بفلان إلى أن تقول: فلان يكفي منه أن يكف شره، لكن في إنسان لا يكفي منه أن يكف شره، بل المطلوب منه أكثر من ذلك بكثير؛ ولذلك -أيضاً- قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد لما سئل: أي الناس خير؟ قال: {مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله -هذا أفضل الناس- قيل: ثم أي؟ قال: رجل معتزل في شعب من الشعاب، يعبد ربه، ويدع الناس من شره} والآخر إنسان لا يستطيع أن يقوم بواجب الجهاد في سبيل الله بنفسه وماله، هو أضعف من ذلك، ولو اختلط بالناس ضر وأصاب الناس من شره، فكفاه أن يدع الناس من شره، ويتفرغ لعبادة ربه، والقيام بما أوجب الله عليه، هذه طاقته.