إنني إذ أبشر محبي الشيخ رحمه الله بهذه الخاتمة الحسنة، وهي أننا نرجو الله تعالى له أن يكون شهيداً في سبيله، وقد مات في يوم الجمعة، وقد جاءت بعض الآثار في فضل الموت في ليلة الجمعة ويومها، في مقابل النهاية اليائسة لذلك القاتل، وقد جاء في الصحيحين من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: {كان فيمن كان قبلكم رجلٌ كان به جرحٌ فجزع، فأخذ سكيناً فحز بها يده، فلم يرقأ الدم حتى مات، فقال الله عز وجل: عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة} وأما لسان حاله، وهو يسدد تلك الضربات إلى رأس الشيخ، فهو كذلك الذي قتل رجلاً من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو محمد بن طلحة، الذي كان يسمى بـ السجاد، فلما ذكره بالله عز وجل، سدد إليه السهم وقتله وهو يقول: وأشعث قوامٍ بآيات ربه قليل الأذى فيما يرى الناس مُسلمِ شككت إليه بالسهام قميصه فخر صريعاً لليدين وللفم على غير شيءٍ غير أن ليس تابعاً فلاناً ومن لا يتبع الحق يندمِ يذكرني "حم" والرمح شاجرٌ فهّلا تلا "حم" قبل التقدمِ إنني مع ذلك كله -أيها الأحبة- ومع هذه الأخبار المؤلمة التي أرقت قلوب المؤمنين، وجعلتهم لا يهنئون بعيشهم إلا أننا -مع ذلك كله- نبقى متفائلين بحمد الله، واثقين بنصره، مدركين حسن العاقبة للمؤمنين المجاهدين، طال الزمن أم قصر، فإننا على يقينٍ من ربنا عز وجل لا شك عندنا فيه.
ومما يؤكد هذا التفاؤل أن وفوداً كثيرةً من الإخوان العرب ومن غيرهم، قد سعت للصلح بين الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار، والذي يحاصر كونر ويحتل أكثرها، وبين جماعة الدعوة إلى الكتاب والسنة التي كان يتزعمها الشيخ جميل الرحمن، رحمه الله تعالى.
وهذه الوفود قبل بها كل الأطراف، وبدأت تمارس مهماتها، وانتهت إلى توقف إطلاق النار نهائياً أو بشكل تقريبي، وكذلك اتفقت على حل المشكلات والقضايا المتنازع عليها، عن طريق الحوار والمفاوضة والمجالس المشتركة، وهذا هو الأصل، فإنني أعتقد أنه ليس من مصلحة المسلمين أن يتعاملوا مع من يخالفهم من خلال السلاح والقوة، وليس من المصلحة -في كل حال وفي هذه الظروف بشكلٍ خاص- أن تعود سهام المسلمين إلى صدورهم، كما أنه ليس من الاحترام أن تتعامل مع من تخالفه بالتهم التي تلصقها به، كما نجد الكثيرين ممن يقولون: هؤلاء عملاء لهذه الجهة أو لتلك الجهة، أو أنه بثهم الاستعمار أو بثهم الشرق أو الغرب.
فليس من المصلحة أن نتعامل بأساليب الاتهامات المتبادلة، ولا أن يتم التعامل عن طريق استخدام القوة في حل المشكلات، فأمام المسلمين آفاق واسعة للحوار والأخذ والعطاء، والاتفاق على القضايا المختلف فيها، كما أن أمام المسلمين ميادين واسعة لقتال عدوهم، ويكفي أن المسلمين محاصرون في كل بلادٍ يرفعون فيها راية القتال والجهاد، وأن عدوهم أقوى منهم وأكثر عدداً وعدة، وأنه مدعومٌ من قوى شرقية وغربية، فجديرٌ بالمسلمين أن يتناسوا كل ما يمكن تناسيه من الخلافات، أو يؤجلوا ما يمكن تأجيله، وعلى أقل تقدير -إن لم يكن بينهم تناصرٌ وتعاملٌ- فلا أقل من أن يكون بينهم تنسيقٌ يحقن الدماء، ويوجه أفواه البندقيات والمدافع إلى صدور الأعداء.