Q هناك عدد من طلاب العلم البارزين، المتفرقين في أنحاء البلاد ومع ذلك، فلا يزالون يقللون من شأنهم، وبعضهم يحذر من عوامل أخرى، أرجو توجيهاً لهؤلاء وتذكيرهم لا سيما والحاجة في هذا والوقت قد مست؟
صلى الله عليه وسلم أعجب أنه فعلاً لا يزال هناك بعض طلبة العلم، بل كثير منهم لم يقوموا بواجبهم في الدعوة إلى الله تعالى، إن من الصدق مع أنفسنا، أن أقول أيها الإخوة: لقد تأملت في واقع الدعاة المعروفين، الذين عرفهم الناس، وحضروا دروسهم ومحاضراتهم، فلم أجد أنهم أفضل من غيرهم، ممن قد يكونون بعيداً عن الأضواء، ولا يزالون يعيشون في الظل, وإنما عُرف هؤلاء لأنهم تصدوا للأمر وبذلوا ما يستطيعون، فأقبل الناس عليهم وهناك الكثير من الدعاة إلى الله تعالى وطلبة العلم، ممن يملكون العلم الغزير، ويملكون العلم الواضح، ويملكون القدرة على الحديث، ومع ذلك فإنهم لا يزالون يتأخرون بشتى الحجج، منهم من يتأخر بحجة أن الساحة ملأى، وفي الواقع أن هذا وهم كبير، فإن الساحة فارغة ووالله الذي لا إله غيره، لو جُمع الدعاة الصادقون المخلصون من مشارق الأرض ومغاربها في بلد واحد، لما غطوا حاجتهم، فما بالكم والأمة تعيش فقراً في كل بلد؟! ولقد ذكرت في بعض المناسبات أنني ذهبت إلى أندونيسيا، وهو بلد فيه أكثر من مائة وعشرين مليون مسلم، فتساءلنا عن العلماء فلم نجد إلا عدداً من العلماء، يعدون بعدد الأصابع الواحدة، وذهبنا نزور بعضهم فجيء لنا بأفضلهم وخيرهم وأسلمهم عقيدة وأصحهم، وجيء لنا به يحمل على نقالة لايستطيع أن يتحرك ولا أن يمشي، فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون، كم يملك النصارى من الدعاة، وكم يملكون من المؤسسات؟ وكم يملكون من الوسائل؟ والمسلمون لا يملكون إلا هذا العدد القليل، وفيهم من عوامل الضعف والكِبَر ما فيهم، فمتى يشعر أولئك الدعاة وطلبة العلم بواجبهم؟ ومتى يقومون بدورهم؟ بعضهم قد يتعلل بحجة الخشية من فساد النية، فأقول هذا دليل على صلاح نيته، لأن كونه يبتعد عن الأضواء خشية فساد النية، هذا دليل على صدقه وإخلاصه، عليه أن يتقد ويتوكل على الله عز وجل، ثم إنه لا يسع مسلماً أبداً أن يترك العمل الصالح خشية فساد النية وسوءتها، بل عليه أن يعمل الصالحات، ومع ذلك يحرص على صلاح نيته، ويقول الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه} وآخرون قد تقعد بهم عوامل أخرى وكلها في الواقع من تزيين الشيطان، وربما طاب لبعضهم القعود، وآثر السلامة.
أقول أيها الأحبة: أقول بلهجة واضحة صريحة كلنا والله يَسرُّه أن يجلس في بيته وبين أولاده، بعيداً عن هموم الناس ومقابلتهم، وتحمل ما قد يصدر منهم، وقيلهم وقالهم وحديثهم، وأخذهم وعطائهم، لكن لا يجوز في حال من الأحوال، أن نعتزل في بيوتنا وبين أولادنا، أو في مكتباتنا وندع أمر الأمة لمن نعتقد جميعاً أنه لن يقوم بها، فكثير من هؤلاء الدعاة وطلبة العلم يدركون أن الأمة، قد أثر فيهم الضجيج الإعلامي الفاسد، بل لوسألت أحدهم حتى عن بعض من يتصدرون للتدريس والتعليم والخطابة والوعظ، لأبدوا عليهم بعض الملاحظات، وقالوا: عليهم كيت وكيت، فما دمت ترى أن عليهم ما عليهم، فلِمَ لا تشارك يا أخي رعاك الله في هذا السبيل وهذا المضمار؟! ولماذا لا تسد هذا النقص الذي تشعر به؟! هل تعتقد أنك سوف تعيش عمرين، عمر للنقد والملاحظة، وعمراً للعمل والدعوة؟! إن الإنسان يصبح ولا يمسي، ويمسي ولايصبح، فعلينا أن نخاف الله تعالى في أنفسنا وفي هذه الأمة، بل علينا أن نخاف الله تعالى في الأمانة التي حملنا إياها يقول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام:165] أنتم جميعاً خلفاؤه في الأرض، {جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الأنعام:165] فمنكم من هو أغنى من بعض، ومنكم من هو أعلم من بعض، ومنكم أعقل من بعض، وأذكى من بعض، وبعضكم أفصح من بعض، وبعضكم أشجع من بعض، وكل من يملك ما لا يملكه غيره من المال أو الغنى أو الشجاعة أو العلم والبيان أو غيرها، فإنه يطالب بالقيام بأمر الله عز وجل، بما لا يطالب به من لا يملك نفس الأمر، أرأيت التاجر الذي يملك الملايين الطائلة، أتكون زكاته كزكاة من لا يملك إلا مبلغاً بسيطاً؟! وكذلك من يملك شيئاً من العلم ليس الزكاة كزكاة الجاهل أو العامي، أو المبتديء في العلم، فعلينا أن ندرك أن ما أعطانا الله تعالى من المواهب، هي أمانات يبلونا الله تعالى فيها، قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [المائدة:48] .