العبودية في الإسلام

وفي عقيدة الإسلام هناك تصور واضح لهذا الموضوع، فمنذ أن وجد الإنسان، أي أنه من يوم أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض، كان معه الدين الصحيح، وعلمه آدم لأولاده، حتى توارثه الأجيال جيلاً بعد جيل، كما قال الله عز وجل: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة:213] قال ابن عباس: [[كان بعد آدم عشرة قرون كلهم على الهدى]] .

إذاً، لا يستخفنك أن الباطل له صولة وجولة ودولة، ولا تتعجب وتنظر حين تجد الإيمان ضعيفاً في بعض البلاد، بل في معظم البلاد، بل ربما في كل البلاد، والغلبة في غالب الأحيان للباطل وأهله، فلا تستغرب هذا!!؛ لأنه كما قال الله عز وجل: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] وتذكر أنه بعد آدم بعشرة قرون، كلهم على الهدى وعلى الإسلام، أمةً واحدةً ليس من بينهم أحد يشذ، قد يعصي الواحد منهم، فالمعصية أمر موجود طبيعي كما وقعت من آدم عليه الصلاة والسلام في الجنة ومن ابنيه أيضاً، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ} [المائدة:27] إلى قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة:30] ولكن كانوا جميعاً على التوحيد وعلى الهدى.

لم يكن بينهم من يشرك بالله عز وجل شيئاً، هذه عقيدة المسلمين في الإيمان وهذا أمر طبيعي؛ لأن كمال عدل الله عز وجل يقتضي أن لا يعذب البشر إلا بعد أن يقيم عليهم الحجة كما قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الاسراء:15] وكما قال: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:24] .

فكل أمة بعث الله فيها رسولاً بشيراً ونذيراً، يبشرهم ويأمرهم بالتوحيد والإيمان والتقوى، وينذرهم وينهاهم عن الشرك، والكفر والضلال، فكل أمم الدنيا بعث الله عز وجل فيهم نذيراً.

وأمة العرب هم من ذرية المؤمنين، ومن ذرية الأنبياء، لكن لا يمنع أن تكون الأمة العربية نبيها هو الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك لما بعث الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم إلى العرب، كان من حكمة هذه البعثة وهذه النبوة أن لا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير كما قال تعالى: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} [المائدة:19] وقال تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس:6] بعض أهل العلم يقول: (ما أنذر آباؤهم) ما: هنا نافية.

أي ما أنذر أباؤهم من قبل، وعلى هذا يكون العرب نبيهم هو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وبعضهم يقول: (ما أنذر آباؤهم) أن (ما) هاهنا موصولة بمعنى الذي، يعني: لتنذر قوماً الذين أنذر أباؤهم، فتنذرهم النار التي أُنذرَها من قبلهم، وتذكرهم بالجنة، وتأمرهم بالمعروف الذي أُمِر به من قبلهم، وتنهاهم عن المنكر الذي نُهي عنه من قبلهم، وعلى كل حال فالتفسير أن قوله: {مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [يس:6] نفي، أي: لم ينذر العرب من قبل النبي صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015