إن الإنسان بطبيعته عابد ولابد أن كل إنسان عابد، ولا يمكن أن تجد في الكون إنساناً غير عابد، لهذا قال الله عز وجل: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس:60-61] إذاً الإنسان بين خَيَارين لا ثالث لهما، إما أن يعبد الله إما أن يعبد الشيطان، لهذا نهانا الله عز وجل عن الثاني وأمرنا بالأول فقال: ((أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ * وَأَنِ اعْبُدُونِي)) [يّس:60-61] إذاً أنت وغيرك من البشر كلهم عابدون، لكن منهم من يعبد الله، ومنهم من يعبد الشيطان.
ولهذا قال الله عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1-6] .
إذاً حتى الكافرون لهم دين يدينون به، بغض النظر عن ماذا يكون هذا الدين، منهم من يعبد -مثلاً- الحجر أوالشجر، ومنهم من يعبد الشيطان، وهناك طوائف مثل اليزيدية موجودون في بعض البلاد الإسلامية يعبدون الشيطان، وفي أوروبا وأمريكا ظهرت عبادة الشيطان في هذا العصر بشكل جديد، فيعبدونه فعلاً ويسمونه "شاتان"، ويعبدونه وله يسجدون، هذا في قلب الحضارة والتقدم، ويضعون وينصبون التماثيل للشيطان ويعبدونه!!.
إذاً، فالإنسان عابد ولابد، لكنه إما أن يكون عابداً لله عز وجل وإما أن يكون عابداً للشيطان، ولهذا -أيضاً- قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: {تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار} .
إذاً هو عبد، فعبوديته للشيء الذي سلب لبه، وأخذ قلبه، واستعبده، فصار يعمل من أجله، إن أحب فمن أجل الدرهم والدينار، وإن والى فمن أجله، وإن عادى فمن أجله، وليست القضية قضية الدرهم والدينار، فكل شيء تألهه الإنسان وملأ قلبه، وشغل قلبه، واستخدم جوارحه في تحصيله، فإنه يكون عبداً له.
ولهذا نقول -أيضاً-: إن هناك غير عبد الدرهم والدينار، فهناك عبد الشهوة واللذة، وهناك عبد الدنيا، وهناك عبد الكرسي، وهناك عبد الزوجة، وهناك عبد الشهرة.
فالعبوديات كثيرة جداً ولا تتناهى، فكل من تأله لشيء، وملك عليه قلبه، واستخدم جوارحه فيه، وارتكب ما حرم الله تعالى من أجله، فهو يكون عبداً لهذا الشيء الذي تأله قلبه.
إذاً القلب هو مثل إناء أو وعاء، لا بد أن يملأ؛ فإما أن تملأه بمواد طيبة نظيفة كالماء أو العسل أو غيره، وإما أن تملأه بمواد خبيثة نجسة ضارة، ولابد من هذا أو ذاك، وهما طريقان لابد للإنسان من أحدهما.