إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً أما بعد: فإن الخطأ -أيها الإخوة- هو من طبيعة ابن آدم، فإن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من طين الأرض، قال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ} [ص:71] وقال الله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:29] فالإنسان فيه هذه الطبيعة الطينية، الميل إلى الأشياء المادية؛ حيث رُكِّبت فيه الغرائزُ والشهوات، وأصبح للإنسان ميلٌ فطريٌّ طبيعيٌّ إلى شيءٍ من ذلك، بمقتضى حكمة الله جلَّ وعلا، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] .
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: {لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم} فإن الله تعالى خلق الملائكة المعصومين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وملأ بهم سماواته، فإن السماوات ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيه ملكٌ واضع جبهته ساجدٌ لله عز وجل، أو راكعٌ، أو قائم.
وخلق الشياطين للشرِ والفساد والإفساد والإضلال والوسوسة، وخلق الِإنسان القابل للخير والشر، وقال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] وقال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3] وقال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7-10] .