الفرح والحزن عند المسلم

Q هذه أخت تسأل وتقول: إننا نعيش هذه الأيام مناسبة كروية، والبعض قد يدخله هزيمة نفسية بسبب من يشجع، فقد يحزن ويخرج من البيت وهو حزين، فما حكم هذا؟

صلى الله عليه وسلم أقول إنني حزين لهذا السؤال، نعم لقد كان أسلافنا وأجدادنا يفرحون ويحزنون فعلاً كما نفرح ونحزن، لكن بم كانوا يفرحون ويحزنون؟! وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جداً كان الطفل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يبلغ سن التكليف والرشد، تعلن المعركة فيأتي يتطاول على قدميه حتى يقبله الرسول صلى الله عليه وسلم في الجيش، فإذا رده الرسول صلى الله عليه وسلم رجع يبكي إلى أمه، يقول ردني الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يعتبر أن الفوز هو أن ينجح الفريق الذي يشجع مثلاً، لقد ذهب جماعة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل وهو رئيس قبيلة من قبائل المشركين، وكان مع هؤلاء القوم حرام بن ملحان وهو خال أنس بن مالك رضى الله عنه، وكان رئيسهم، فلما وقف حرام بن ملحان -وهذا الحديث في صحيح البخاري، ولذلك أرجو أن تلقوا أسماعكم له- لما وقف حرام بن ملحان أمام هذا الرجل يدعوه إلى الله عز وجل ويذكره بالآخرة، ويبين له بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ووجوب الإيمان به، أشار هذا الطاغية إلى رجل من أصحابه أن اقتل هذا الرجل، وقد كان العرب في الجاهلية لا يقتلون الرسول المبعوث من قبيلة أخرى، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكم} فكان من الأعراف المرعية أن الرسل لا تقتل، لكن لما خاضوا المعركة مع الإسلام نسوا جميع أعرافهم وتقاليدهم وعاداتهم، فجاء رجل يقال له جبار بن سلمى كان مشركاً من جماعة عامر بن الطفيل، فجاء بخنجر، فسدده إلى بطن حرام بن ملحان رضي الله عنه ففار الدم من بطنه، أمام هذا الموقف الذي يؤمن فيه الكافر، ويعي فيه الشاعر، ما تلعثم هذا الصحابي ولا تردد، بل قال كلمة خلدها التاريخ، وضع يديه - أيها الإخوة- هكذا بجوار بعضهما ثم استقبل الدم النازل منه بقوة وحرارة، وصبه على رأسه، وقال: فزت ورب الكعبة!! الله أكبر، إن هذا لهو الفوز العظيم، ولذلك يروي بعض أهل السير أن هذا الرجل القاتل استغرب: أشد الاستغراب كيف يقول هذا الرجل هذا الكلام رغم أنه الآن يقتل؟! فقد الدنيا، وفقد الزوجة والمال والأولاد، يغادر الدنيا، وهو يقول: فزت ورب الكعبة! وهو لا يمثل هنا، وإنما موقف جاد، فزت ورب الكعبة، فيقول بعض أهل السير إن هذا الرجل الذي طعنه بدأت الكلمة هذه ترن في رأسه طويلاً، حتى جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلم وحسن إسلامه! بسبب هذه الكلمة.

أيها الإخوة: الولاء والبراء يجب أن يكون لله، اليوم تجد البيت على نفسه بسبب هذا البلاء الذي دخل علينا، يجب أن ندرك أن من أهم وأعظم خصائص الإيمان أن نوالي في الله ونعادي في الله، أنا أحب المؤمن مهما كان لونه أو بلده أو وظيفته، أو مهما كان مستواه ومنصبه، وأبغض المنافق مهما كان، أما الفاسق فأحبه بقدر إيمانه، وأبغضه بقدر فسقه، أما أن تكون القضايا حباً في الدنيا، وموالاة فيها وبغضاً فيها، فإننا على خطر عظيم، ولذلك أنا قلت لكم قبل قليل: إن هذه الأمة مقبلة ومقدمة على أخطار عظيمة، ما لم ينتبه الغيورون ويجدوا في معالجة الأمر، فإن الأمر كائن لا محالة، ولعلكم تلمسون بوادر خطيرة لمثل هذه القضايا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015