قاتل النفس ليس مرتداً

قتل النفس وهو ما يعرف بالانتحار، جريمة كبرى، وكبيرة من الكبائر، وخطيئة من الخطايا، لكن مما لا شك فيه أن قاتل نفسه لا يحكم عليه بالكفر المخرج من الملة والخلود في النار، والله أعلم والدليل على ذلك:- أولاً: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] وأما الدليل الخاص في هذه المسألة فهو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الطفيل بن عمرو الدوسي هاجر هو ورجل من قومه إلى المدينة، فكأن هذا الرجل المرافق للطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه لما سكن المدينة اجتواها واستوخمها، وأصابه شيء من حمَّاها، فضاق به المقام فيها، فقام هذا الرجل إلى مشاقص كانت عنده- وهي السهام العريضة - فقطع بها براجمة -والبراجم هي: المفاصل في كل أصبع- فصار دمه ينزف حتى مات، فلما نام الطفيل بن عمرو في تلك الليلة رآه في المنام في هيئة حسنة، وقد غطى يديه بثوبه، انظروا إلى هذا العجب هذه الرؤية العجيبة؛ رآه في المنام في هيئة حسنة وقد غطى يديه بثوبه، فقال: ما صنع الله بك؟ قال غفر الله لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم قال: فما شأن يديك؟ لماذا أنت مغطٍ يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت من نفسك، فلما أصبح الطفيل، قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقص عليه هذه الرؤيا العجيبة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {اللهم وليديه فاغفر} فالشاهد من هذا الحديث أولا: هذه الرؤيا وهي رؤيا حق، وقد رأى الطفيل هذا الرجل في هيئة حسنة مع أنه قتل نفسه، وقد يقول قائل: إن الرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي، وهذا صحيح.

الرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر هذه الرؤيا حين سمعها، بل وزاد عليها أنه دعا لذلك الرجل بالمغفرة، فقال: {وليديه فاغفر} الشاهد من ذلك: أن قاتل نفسه لا يُحكم عليه بالردة عن الإسلام فيما أعلم، بل هو كمن قتل غيره من المسلمين يُحكم عليه بأنه ارتكب جرماً عظيماً وموبقة من الموبقات وكبيرة من كبائر الذنوب، وإن استحل هذا العمل فهو كافر، أما إن فعل وندم على ما فعل قبل أن تخرج روحه، فهذه والله أعلم نوع من التوبة ويرجى لمثله أن يتوب الله عليه، وإن عذبه فمصيره -إن شاء الله- إلى المغفرة.

فيحتمل أن يكون هذا الرجل الذي قتل نفسه في معركة خيبر ليس كافراً، وإنما هو مسلم غلبته الجراح فقتل نفسه، فحكم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه في النار، يعني أنه سيعذب في النار بهذه الخطيئة التي ارتكبها، ولا يلزم من ذلك أن يكون خالداً مخلداً في نار جهنم خلود الكفار والمشركين هذا فيما يتعلق بالرواية الأولى وهي قوله صلى الله عليه وسلم: {إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وإن الله يعز هذا الدين بالرجل الفاجر} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015