إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] خسر مطبق في الدنيا والآخرة، ثم استثنى فقط طائفة واحدة ووصفهم بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:3] فهذا هو الشرط الأول، وبانتفاء هذا الشرط لا يكون لكل عمل عمله الإنسان ثمرة أو فائدة.
وهنا قد يقول قائل: إننا نجد كثيراً من الناس يقومون بأعمال صالحة تنفع الناس في الدنيا، فهذا فاجر -مثلاً- يتصدق وينفق الأموال الطائلة، ويحسن إلى اليتامى والمساكين، ويساعد المسلمين والمجاهدين وغيرهم فهل تقولون: إنَّ عمله حابط، وأنه هباء منثور، فأقول
صلى الله عليه وسلم نعم بدون تردد! إن كان قصده من هذا العمل أن يُمدح، أو يُثنى عليه، أو يُقال: إنه جواد أو إنه كريم، فإن عمله حابط، ويقلب عليه سيئات يوم القيامة، فيقول قائل: إذا كان الله لا يظلم أحداً ولا يضيع عنده شيء، ألا يجازي هذا الإنسان ولو بعض الجزاء؟! فأقول: بلى إن الله لا يضيع عنده شيء مهما دق، وقد سمعتم: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] مثقال ذرة، يعني الهباءة الصغيرة التي ترى في الشمس، أو الذرة النملة الصغيرة مثقال ذرة: لا يضيع عند الله خيراً أو شراً: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] هؤلاء الذين ينفقون ويتصدقون من أجل أن يقال: إنهم أجواد كرماء، يجزيهم الله -تعالى- عن أعمالهم بالثناء الحسن في الدنيا، فيكتب اسمه في الجريدة -مثلاً- ويكتب اسمه في الإعلانات، (إن فلان بن فلان تصدق) فهذا جزاؤه من عمله؛ لأنه قصد هذا، فجازاه الله بأن كتب له ثناءً حسناً عند الناس أن فلاناً قد تصدق، وهذا هو كل حظه مما أنفق، ومثل الإنسان الذي يصلي من أجل أن يمدح ومن أجل أن يقال: إنه يصلي، فهذا جزاؤه في الدنيا عاجل غير آجل، أن يتكلم الناس عنه فيقولون: (فلان رجل صالح محافظ على الصلاة) هذا أجره وهذا جزاؤه، أما يوم القيامة فقد أخبرنا الله -جل وعلا- أن أعماله حابطة لا قيمة لها البتة، بل هي عليه -كما ذكرت -سيئات! إذاً: لا بد من الشرط الأول: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:3] قبل أن يعملوا الصالحات لا بد أن يؤمنوا، فإذا آمنوا بنوا على هذا الأصل البناء وهو العمل الصالح: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] انظر إلى هذا الرجل الذي ذكرت لكم شأنه، إنه مقاتل لا يدع شاذةً ولا فاذة، وقد أبلى البلاء الحسن حتى جرح جرحاً بليغاً في المعركة، وهذا أغلى ما يملك، ولذلك يمدح الشاعر رجلاً فيقول: يجود بالنفس إن ظن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود فيمدح رجلاً بأنه يجود بنفسه، وأغنى ما يملكه الإنسان هو نفسه، إذاً أغلى وأقوى عمل يمكن أن يعمله الإنسان هو الجهاد في سبيل الله في المعركة، قتال الكفار، ومع أن ذلك الرجل الذي قاتل قتالاً مستميتاً يكون جزاؤه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتوعده بالنار، لماذا؟ لأن الأصل الذي يقوم عليه هذا العمل مفقود، وهو الإيمان، فيأمر صلى الله عليه وسلم من ينادي: {إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة} وهنا قبل أن أغادر هذه النقطة إلى النقطة الثانية، أذكركم بالحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وهذا الحديث يجب أن نخاف إذا سمعناه.