ضرورة بناء القوة النفسية للطفل

وكما يعبرون عنها بلغة العصر الحاضر، تعويد الطفل على الثقة بنفسه، ومن أخطر ما نعانيه في مجتمعنا أن البيوت تحطم الأطفال، وتربي الأطفال على أنهم ليسوا بشيء، وأنه لا يعرف شيئاً، ولا يصلح لشيء، بل يبلغ الإنسان منا مبلغ الرجال، وقد يكون عمر الفتى أحياناً أربع عشرة سنة، أو خمس عشرة سنة، وأهله لا يثقون به.

فلا يذهب ليشتري خبزاً، ولا يصب الشاي للضيوف، ولا يستقبل الضيوف، وهذا من أخطر الأشياء؛ لأن الطفل حينئذ ينشأ مثل النبتة التي تنبت في الظل: ضعيفة، رخوة، ليس فيها قوة ولا نماء ولا حياة، هذه من أخطر الأشياء التي يعانيها الناس.

فتجد الإنسان حينما يكبر ليس لديه ثقة بنفسه، وليس لديه إمكانية أن يتكلم -مثلاً- أمام الناس، بل قد لا يستطيع -مثلاً- أن يؤم الناس في الصلاة، ولا أن يقوم بأي دور؛ لأنه لم يتربَّ على ذلك، فنحن نلاحظ -مثلاً- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـ ابن عباس: أتأذن لي؟.

وهذا نوع من إعطاء الطفل أهمية، فهو صاحب حق الآن، ومن حقه أن يشرب قبل هؤلاء، لكن إذا سمح بذلك؛ فإن قال: لا أسمح.

قال: خذ، وهذا صغير السن ومع ذلك يستأذنه الرسول عليه الصلاة والسلام.

فإذا لم يأذن، فهنا يتخذ القرار بناء على رأي ابن عباس، هذا من إشعاره بالثقة.

جانب آخر: حينما يتقدم عمرو بن سلمة: ويصلي بالناس وعمره ست أو سبع سنوات، هذا نوع من أنواع بناء القوة النفسية، أو كما يعبرون عنه بلغة العصر الحاضر: تدريب الطفل على الثقة بالنفس، فمن أهم وسائل بناء الثقة بالنفس: أن لا تعامل الطفل حين يخطئ بأسلوب قاسٍ، نحن قد نلين مع الأطفال، لكن إذا أخطأوا نقسو عليهم، وأحيانا تكون قسوة قاتلة.

هناك قصة حدثت في بعض المجتمعات ذكرها لي أحد الشباب -وهو إن شاء الله ثقة- أن رجلاً أثث بيته بأثاث فاخرٍ وثمين، وسكن به، فخرج صباحاً إلى العمل، ولما جاء في الظهر، وجد طفله قد أخذ سكيناً، فأتى إلى الكنب ومزقها، وأتى إلى الستائر فمزقها، وقدم هذا، وخرب هذا كما هي عادة الأطفال.

فغضب أبوه غضباً شديداً، وأخذ الطفل فضربه ضرباً مبرحاً، ثم قيده بالحبال في يديه ورجليه، وأقسم على أمه إن تعرضت له، أن يصيبها كذا وكذا، وجلس الطفل يبكي، ويبكي، ويبكي، حتى فت كبده البكاء ثم سكت، وبعدما سكت، لاحظوا على الطفل وضعاً غير طبيعي، وكأن لونه يتغير، ففكوه بسرعة وذهبوا به إلى الطبيب، وبعد إجراء التحاليل اللازمة قالوا: إن الطفل مهدد بالموت، ولابد أن تبتر أطرافه -يداه ورجلاه- حالاً، وإلا فإنه قد يموت؛ لأن دمه قد تسمم، فوقع الأب على الأمر، وبترت يداه ورجلاه وأصاب الأب حزناً، ومما كان يزيد من حزنه أن الصبي الصغير، بعدما رجعوا إلى البيت وبعدما شفي كان يقول: أبي أرجع إلي يدي ولا أعود إلى تخريب الفرش مرة أخرى، فكانت هذه الكلمة تنزل على أبيه نزول الصاعقة؛ لأنه كان يعرف أنه لا سبيل لاستعادة ذلك.

فنحن نخطئ كثيراً في معاملة الأطفال، حينما يقع منهم الخطأ، وينبغي أن نتحمل منهم الخطأ، وإذا أردنا أن نصحح لهم الخطأ، فنصححه بطريقة سليمة معتدلة نقول: هذه خطأ، وقد نعاقب الطفل بالحرمان فإذا عودناه أن نعطيه شيئاً لا نعطيه، وإن عودته أن يخرج معك؛ هذه المرة لا يخرج معك، فيخرج إخوانه وهو لا يخرج بل يجلس، وقد نعاقبه بالضرب -ضرب بسيط- والرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يكون السوط معلق حيث يراه أهل البيت للتأديب -ضرباً غير مبرح، وقد نعاقبه بكلمة، وما أشبه ذلك، أما هذه الأساليب القاسية التي يسلكها البعض فهي غير لائقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015