حسن اختيار الأم

عند اختيار الأم التي يريد الإنسان أن تكون أم أطفاله، واختيار الزوجة، فلينظر إلى أم سليم رضي الله عنها.

كيف كان موقفها لما مات الصبي لم تظهر الجزع والفزع والصراخ والبكاء حتى يجتمع الناس عندها، بل أخفت موت الصبي، ولما دخل أبوه، كانت المرأة هي التي تصبر الرجل، فتقول له: إنه أسكن مما كان، وتطعمه، وتمكنه من نفسها وتغريه بنفسها، فلما فعل قالت: واروا الصبي، وعرضت له تلك القصة، ومثلت الولد بإنسان أخذ من الجيران عارية ثم ردها إليهم، فهذا مثال في اختيار الأم.

مثال آخر: أسماء بنت أبي بكر أم عبد الله بن الزبير أول مولود من المهاجرين، هذه أسماء ذات النطاقين كانوا يعيرون عبد الله بن الزبير، فيقولون له: يا ابن ذات النطاقين، فقالت له: أخبرهم ما ذات النطاقين؟ وأخبرتهم بحادثة الهجرة وأنها شقت نطاقها فتمنطقت ببعضه، وحزمت القربة ببعضه الآخر.

وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها فليس عيباً أن يكون ابن ذات النطاقين، فهي مدحة وليست مذمة، ف أسماء رضي الله عنها، هذه الأم التي اختارها الزبير اختياراً، انظر كيف كان موقفها فيما بعد، لما كبر هذا الصبي وترعرع وأصبح رجلاً، حاصره الحجاج بمكة ورمى الكعبة بالمنجنيق، حتى احترقت الكعبة، وكان هذا حدثاً جللاً في تاريخ المسلمين، أن تحترق الكعبة، ويصلي المسلمون فترة إلى غير شيء، وهدمت أيضاً فوضع ابن الزبير ستوراً وصلى الناس إليها.

فجاء عبد الله بن الزبير إلى أمه، وقد حاصره الحجاج، وتخلى عنه الناس، فقال: (يا أماه ماذا ترين؟ -وكانت عجوزاً كبيرة السن- هل أستسلم؛ لأن الناس تخلو عني وليس بيدي شيء؟ فقالت: إن كنت تريد الدنيا فبئس الولد أنت، وإن كنت تريد الآخرة، فاصبر واحتسب فقال: يا أماه أخشى أن يمثلوا بي بعد موتي -أخشى أن يقطعوا مني شياً أو يعلقوني على خشبة- فقالت: يا ولدي لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها) لا يضرك أن يمثلوا بك بعد الموت.

وفعلاً بعدما قتل رضي الله عنه، علقوه على خشبة، ثم أرسل الحجاج إلى أسماء بنت أبي بكر وهذه الرواية في صحيح مسلم فقال لها: تأتي إلي.

قالت: والله لا آتي، فقال الحجاج: والله لأجرها بشعرها -أرسل إليها واحداً يجرها بقرونها بشعرها- قالت: ليفعل، فلما رأى الحجاج، إصرار أسماء بنت أبي بكر ذهب إليها، قال: أروني سبتيتي -أعطوني نعالي-، فلبس النعال وجاء إلى أسماء بنت أبي بكر، يغيظها وينكأ جراحها ويحزنها.

قال: أما سرك ما فعلنا بهذا الرجل.

أي: ولدها وفلذة كبدها، ولا شك أن قتله قتل لها، لكنها كانت تتجلد وتصبر، فقالت بلهجة المؤمن الواثق وبلسان الحكيم العارف المجرب: أما والله إن أفسدت عليه دنياه لقد أفسد عليك دينك.

أنت أفسدت عليه دنياه فعلاً قتلته وحرمته من أن يكون خليفة، كما كان يسعى إليه ويحاوله، ولكنه قد أفسد عليك دينك.

ثم قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في ثقيف كذاب ومبير، أما الكذاب فقد عرفناه.

الكذاب هو المختار بن أبي عبيد، كان يدعي أنه يوحى إليه.

وقيل لـ ابن عمر رضي الله عنه إن المختار بن أبي عبيد) يزعم أنه يوحى إليه، المختار بن أبي عبيد -مع الأسف- خال أولاد عبد الله بن عمر فزوجة عبد الله بن عمر رضي الله عنه صفية بنت أبي عبيد أخت المختار فقيل له: إن خال أولادك يزعم أنه يوحى إليه، قال: صدق: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام:121] يوحى إليه لكن من قبل الشياطين.

المهم قالت: أما الكذاب فقد عرفناه: المختار بن أبي عبيد، وأما المبير فوالله لا أظنه إلا أنت.

المبير هو الذي يكثر القتل من البوار، وهو الذي يكثر من قتل الناس (فخرج الحجاج من عندها يجر رجليه، وقال ما معناه: أتينا هذه المرأة لكي نغيظها، فأغاظتنا هذه المرأة الصلبة والقوية.

إذاً من أعظم الدروس أن يختار الإنسان الزوجة الصالحة، وهذه نصيحة للشباب الذين على أبواب الزواج، فلا تكتفي بمجرد النظر إلى الجمال، بل تذكر أن هذه المرأة قائمة على ثغرة كبيرة في منزلك؛ فالأب مشغول دائماً، إن كان داعية أو طالب علم، أو تاجراً، أو معلماً، وإن كان أي شيء فالأب دائماً مشغول، والأطفال خاصة في بداية عمرهم في مراحل الطفولة الأولى في حجر أمهم وتحت عينها ورعايتها.

فإذا كانت الأم مثقفة وعالمة وفاهمة علمته الكلام الطيب، والفعل الطيب، والأخلاق الحسنة وربته، وأما إن كانت خلاف ذلك، فإنك تجد ذلك الصبي يكون أحياناً غيظاً لوالده، ومدعاة لحزنه، وخجله حين يظهر أمام الناس، فهو لم يترب ولم يعرف الكلام الطيب، ولا الأسلوب الطيب، ولا معاملة الناس، إن أكل مع الناس لم يحسن الأكل، وإن شرب لم يحسن الشرب، وإن جلس لم يحسن الجلوس، وإن تكلم لم يحسن الكلام، وإن نطق لم يحسن النطق، لماذا؟ لأنه لم يترب.

فمن من الرجال مستعد أن يجلس في البيت يربى الأطفال؟! صحيح أن الواحد منا قد يجلس أحياناً، ويكون مع أطفاله عند الغداء، أو عند العشاء، أو في بعض الوقت، لكن مع هذا كله، فإن أغلب وقت الإنسان يقضيه خارج منزله، ولهذا من المهم جداً في تربية الأطفال أولاً أن تختار المحضن الصالح وهو الزوجة الصالحة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015