موقفه صلى الله عليه وسلم مع الغلام اليهودي

الحادثة الثامنة: يرويها أنس بن مالك رضي الله عنه كما في صحيح البخاري يقول: {كان هناك غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض هذا الغلام فذهب إليه الرسول صلى الله عليه وسلم يعوده فجلس عند رأسه، ووجد عنده أباه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وقد رآه في النزع يجود بنفسه: يا غلام، قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فحرّك هذا الغلام رأسه ونظر إلى أبيه، كأنه يستأذنه في ذلك أو يستشيره، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ثم خرجت روحه ومات، فخرج النبي فرحاً مسروراً وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار، الحمد لله الذي أنقذه من النار} عليه الصلاة والسلام.

وعد الله عز وجل النار بما وعدها به كما ذكر ذلك في محكم تنزيله: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30] فماذا يضير النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون غلامه من اليهود من حطب جهنم، لكنه كما قال ربه جل وعلا {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فيشفق النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الغلام ويحرص على هدايته حتى آخر لحظة، فيقول له وهو في النزع الأخير: {قل لا إله إلا الله} فلما قالها فرح وهو يقول: {الحمد لله الذي أنقذه من النار} ويستفاد من هذا في عرض الإسلام على الصبي (على الغلام) وأنه يدعى إلى الإسلام ويعلم الدين.

ومما يتعلق بهذا ما ذكره البخاري في صحيحه في باب عرض الإسلام على الصبي: عن ابن عمر رضي الله عنهما: {أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في طائفة من أصحابه قبل ابن صياد وهو غلام صغير اسمه صافي بن صياد من اليهود في المدينة، وكان يشاع عنه أخبار مزعجة ومخيفة، حتى خشي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن يكون هذا هو الدجال، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً ومعه أبو بكر، وعمر، وجماعة من الصحابة قبل هذا الغلام فوجدوه يلعب مع الصبيان عند قطن بني مغالة، وجدوه قريباً من بعض القصور يلعب مع الصبية، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه، وأمسك به وقال له: يا غلام، أتشهد بأني رسول الله، فنظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: أشهد أنك رسول الأميين -على الأقل كان خبيثاً حينها وإن كان الرجل أظهر إسلامه- فقال هذا الغلام للرسول عليه الصلاة والسلام: أتشهد أني رسول الله -فالصبي يقول للرسول: أتشهد أني رسول الله- فقال له النبي: اخسأ.

اخسأ.

فلن تعدو قدرك، ورفضه النبي صلى الله عليه وسلم وتركه، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، دعني اضرب عنقه، فقال صلى الله عليه وسلم: إن يكن هو فلن تسلط عليه} .

إن كان هذا هو الدجال الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث متواترة أنه سوف يخرج فلن تسلط عليه لا حيلة لك في قتله، ولا يمكن أن تقتله وإن لم يكن هو الدجال فلا خير لك في قتله.

ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى إلى ابن صياد وكان مضطجعاً على قطيفة في مزرعة فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يتقي بجذوع النخل، يختفي بجذوع النخل ويمشي متسللاً عليه الصلاة والسلام، وكان له زمزمة (صوت خفي يسمع له من بعيد) يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقترب منه حتى يسمع ماذا يقول بالضبط، فيعرف إن كان هو الدجال فعلاً أم غيره، فأبصرت أم ابن صياد رسول الله وهو يتقي بجذوع النخل فرفعت صوتها وقالت: يا صافي هذا رسول الله، انتبه هذا الرسول صلى الله عليه وسلم قد قدم، فاعتدل الرجل في جلسته وترك ما كان يقول، فجاء النبي إليه فإذا هو ساكت، فقال عليه الصلاة والسلام: {لو تركته بَيّن، لو تركته بَيّن} أي: لو لم تخبره لبان الأمر واتضح.

المهم يفهم من هذا عرض الإسلام على الصبيان ودعوتهم إلى الدين.

إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015