الشروط التي اشترطها شيوخ الفتوى

يقول الشيخ رحمه الله: في [11/89 من الفتاوى] فصل كله يتعلق بما سبق، والشروط التي تشترطها شيوخ الفتوة ما كان منها مما أمر الله به ورسوله كصدق الحديث، وأداء الأمانة، أداء الفرائض، واجتناب المحارم، ونصر المظلوم، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهد، أو كانت مستحبة كالعفو عن المظالم، واحتمال الأذى، وبذل المعروف الذي يحبه الله ورسوله ونحو ذلك فهذه يؤمن بها كل مسلم سواء شرطها شيوخ الفتوة أم لم يشترطوها، وما كان منها مما نهى الله عنه ورسوله مثل التحالف الذي يكون بين أهل الجاهلية، أن كلاً منها يصادق صديق الآخر في الحق والباطل، ويعادي عدوه في الحق والباطل، وينصره على كل من يعاديه سواء كان الحق معه أم كان مع خصمه، فهذه شروط تحلل الحرام، وتحرم الحلال، وهي شروط ليست في كتاب الله.

قال: وكل ما كان من الشروط التي بين القبائل، والملوك، والشيوخ، والأحلاف وغير ذلك، فإنها على هذا الحكم باتفاق علماء المسلمين، وما كان من الأمر المشروط الذي قد أمر الله به ورسوله، فإنه يؤمر به كما أمر الله به ورسوله، وإن كان مما نهى الله عنه ورسوله فإنه ينهى عنه.

قال: وكذلك ما يعقده المرء على نفسه، -وهذا الذي جعلني أقول فيما سبق أنها كعقد النذر- قال: وكذلك ما يعقده المرء على نفسه كعقد النذر، أو يعقده الاثنان كعقد البيع، والإجارة، والهبة، أو ما يكون تارة من واحد وتارة من اثنين كعقد الوقف، والوصية، فإنه في جميع هذه العقود متى اشترط العاقد شيئاً مما نهى الله عنه ورسوله كان باطلاً، وفي الصحيح: {من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه} والعقود المخالفة لما أمر الله به ورسوله هي من جنس دين الجاهلية، وهي شعبة من دين المشركين، وأهل الكتاب الذين عقدوا عقوداً أمروا فيها بما نهى الله عنه ورسوله، ونهوا فيها عما أمر الله به ورسوله، فهذا أصل عظيم يجب على كل مسلم أن يتجنبه.

قال -رحمه الله-: وقد ذكر ألفاظاً كالفتوة وغيرها قال: وأمثال هذه الكلمات التي توصف بها الفتوة بصفات محمودة، سواء سميت فتوة، أم لم تسمّ وهي لم تستحق المدح في الكتاب والسنة إلا لدخولها فيما حمده الله ورسوله من الأسماء، كالإحسان، والرحمة، والعفو، والصفح، والحلم، وكظم الغيظ، والبر، والصدقة، ونحو ذلك من الأسماء الحسنة، فكل اسم علق الله به المدح والثواب في الكتاب والسنة كان أهله ممدوحين، وكل اسم علق الله به الذم والعقاب في الكتاب والسنة كان أهله مذمومين، كلفظ الكذب، والخيانة، والفجور، والظلم، والفاحشة، ونحو ذلك.

قال: وأما لفظ الزعيم فإنه مثل لفظ الكفيل، والقبيل، والضمين، فإن كان قد تكفل بخير كان محموداً على ذلك، وإن كان شراً كان مذموما، قال: وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب -أي تصير حزباً- فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان، فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والإعراض عن من لم يدخل في حزبهم، سواء كان على الحق أم الباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالاجتماع، بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرق والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015