وأخيراً أقول: مع أن المسلمين متفرقون تفرقاً كبيراً وكثيراً وواسعاً، فيا ليت أننا نتبنى الدعوة إلى تقارب المسلمين فيما بينهم، وإزالة أسباب العداوة والشحناء والبغضاء من صدورهم، ومحاولة التقريب بين أهل السنة والجماعة الذين ينطلقون من الكتاب والسنة، ولكن يختلفون في اجتهادات عملية أو اجتهادات علمية لا تخالف نصاً من كتاب الله تعالى، ولا نصاً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا إجماعاً قائماً بين المسلمين، وإنما هي اجتهادات قابلة للأخذ والرد، وقابلة للمناقشة.
فيا ليت أننا نتبنى ونحرص على جمع كلمة المسلمين، وتقريب وجهات النظر فيما بينهم في مثل هذه الأمور التي ليست خلافات في العقائد، ولا خلافات في الأصول، وإنما هي خلافات في قضايا ليس فيها نص قاطع يمكن الرجوع إليه، وليس فيها إجماع يحرم مخالفته.
إنني أرى أن من أسباب الجمع - جمع الكلمة- وإزالة أسباب الفرقة، ونفع المسلمين: أن الأولى بالعلماء المرموقين والدعاة المشهورين والرجال الذين عرفوا على مستوى الأمة ألا يقصروا هممهم على فئة بعينها، وألا يحصروا أنفسهم في مجال واحد، أو ينحازوا إلى فئة، بل أن يكونوا لجميع المسلمين، ولجميع الفئات، ولجميع الأعمال؛ لأنهم بذلك يجعلون فتواهم، وكلمتهم، وبحثهم، وتقريرهم، مقبولاً لدى جميع الأطراف بدون حواجز، ويشعر الجميع أنهم أهل عدل، وأهل إنصاف، لا ينطلقون من عصبية لفئة على فئة، ولا لقبيلة على قبيلة، أو أمة على أمة، أو دولة على دولة، أو جماعة على جماعة، أو طائفة على طائفة، بل ينطلقون من منطلق النصح للجميع، ومحبة الخير للجميع، والفرح لكل خير يصيب الجميع، والحزن لكل شر يصيب الجميع، ويكونون دعاة إلى توحيد المسلمين على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.