أدلة النصيحة

النصيحة لها أدلة منها: اللين في القول، خاصة لغير المعاند، فلا داعي للشدة في الأقوال، ما دام أن اللين يقوم مقامه، والله تعالى بعث موسى وهارون إلى أكفر الناس وهو فرعون وقال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] .

وجاء رجل لـ هارون الرشيد فقال: إني سوف أنصحك وأغلظ لك في القول، فقال: لا.

لا أقبل نصيحتك، قال: ولِمَ؟ قال: لأن الله تعالى قد بعث من هو خير منك، إلى من هو شر مني فقال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] .

ومن أدلة النصيحة -أيضاً-: حفظ الحسنات للمنصوح وعدم تجاهلها أو نسيانها، لأنه أسلم إلى القبول، فإنك إذا تذرعت إلى إنسان في النصيحة بذكر بعض ما فيه من الخير، وبعض ما له من الحسنات، وأثنيت عليه بذلك، ثم نبهته إلى ما قد يكون حصل منه من زلل، أو تقصير، فكأنك تقول له: أنت رجل فاضل، ولكن أكمِلْ خيرك وإحسانك السابق، بهذا الخير والإحسان اللاحق الذي آمرك وأنصحك به وأعرضه عليك.

ومن باب الأولى، حين يكون المنصوح مجموعة من الناس، فإن المجموعة أو الطائفة - سواء كانوا أهل بلد، أو طلاب شيخ، أو قوماً مجتمعين على أمر من الأمور- يكون بينهم رابطة تعطيهم قوة على ما هم فيه، ليست للفرد بذاته، وربما ينصر بعضهم بعضا، ويقوي بعضهم بعضا على ما هو فيه وعلى ما هو عليه، ويلتمس له من الحجج، ومن الذرائع، ومن المسوغات، ومن الأسباب، فيحتاجون إلى التلطف في النصيحة بما يبين لهم أن المقصود هو: تحصيل الكمال، وليس المقصود الحط من شأنهم، ولا التشنيع عليهم، ومع ذلك فإنه لا يعني هذا أن تكتفي بذكر المحاسن، والثناء المطلق، لما في ذلك من تخدير النفوس عن طلب الكمال، وإغرائها بالبقاء على ما هي عليه من ما قد يكون فيه بعض النقص.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015