بعد ذلك دور الباحث ينتقل من المعجم إلى البحث عن هذا الحديث في الكتب التي أحالوه إليها في المعجم، وهنا لا بد أن نشير إلى بعض الملاحظات المهمة والمتعلقة بطريقة البحث عن الحديث المراد في الكتب الأصول:- فأولاً: نلاحظ أن الحديث الذي نبحث عنه، قد يكون مقيداً بصحابي معين، فمثلاً حديث: {من كذب علي متعمداً فيلتبوأ مقعده من النار} هذا الحديث ورد في البخاري فقط، من طرق عديدة عن علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وعن أبي هريرة، وعن غيرهم.
وفي الكتب الأخرى ورد -أيضاً- من هذه الطرق ومن غيرها، لكن في البخاري فقط ككتاب واحد تجد له طرق عن عدة من الصحابة، فهل يا ترى إذا أحالوك إلى كل هذه المواضع تنقلها معتقداً أنها هي الحديث الذي تخرجه؟
صلى الله عليه وسلم أنه فرق بينما إذا كنت تبحث عن طرق في متن معين، كما لو كنت تريد أن تجمع طرق حديث: {من كذب علي متعمداً} مثلاً، عن أي صحابي كان، فهنا كل حديث يخدمه، مهما كان صحابيه، ولكن لو طلب منك تخريج حديث مقيد بصحابي، فقيل لك عن الزبير رضي الله عنه: {أنه سئل ما لك لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان؟ فقال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار} فهنا أنت تخرج حديثاً بمتن معين، عن صحابي معين، فلا يعنيك إلا ما كان عن طريق هذا الصحابي، فننتبه إلى هذه الملاحظة المهمة، لأنه كما ذكرت أن أصحاب المعجم المفهرس قد يتوسعون في الإحالات، ويذكرون الأحاديث المتعددة في إحالة واحدة، فيوجب هذا نوعاً من الالتباس للباحث.
فمتى ما كان المطلوب تخريج حديث من طريق صحابي معين، فيجب أن تنتبه هل الإحالة التي أحالوك إليها هي عن طريق الصحابي نفسه؟ أو عن طريق صحابي آخر؟.
كذلك ننبته إلى ملاحظة مهمة جداً، وقد أكون أشرت إليها من قبل، وهي قضية اختلاف الطبعات، فالأصل أن الباحث يعتمد على طبعة واحدة في تخريجه، فلو افترض أن الحديث الواحد -مثلاً- موجود في عدة مواضع، في البخاري -مثلاً- فلا تنقله من موضع من البخاري طبعة اسطنبول، ومن موضع آخر من البخاري مع فتح الباري، ومن موضع ثالث البخاري مع شرح عمدة القاري، هكذا، فهذا خطأ.
والمفروض أن يوحد الباحث الطبعة التي اعتمد عليها، وأن يشير إليها إشارة واضحة في البداية، ليسهل عملية التأكد ومراجعة تخريجه لمن أراد ذلك.
ويستحسن أن يعتمد الباحث على الطبعات المتداولة، وبالذات أن هناك طبعات اعتمد عليها المعجم، أو أخرجت مناسبة للمعجم، فهذه توفر جهداً كبيراً على الباحث، وتسهل له مهمة التخريج، وقد ذكرت منها أن هناك طبعة لـ البخاري، وهي طبعة اسطنبولموافقة للمعجم، وهناك طبعة مسلم بتحقيق عبد الباقي موافقة للمعجم، وهناك الجزء الثالث من سنن الترمذي موافق للمعجم.
وهناك طبعة سنن ابن ماجة بتحقيق عبد الباقي موافقة للمعجم، وهناك طبعة موطأ مالك بترقيم عبد الباقي موافقة للمعجم، وهناك طبعة المسند المتداولة أيضاً، موافقة للمعجم، وهذه الطبعات كلها مطبوعة مع الكتب الستة المصورة في كتاب واحد.
وأما فيما يتعلق بسنن أبي داود فإن طبعة الدعاس قريبة منه، وكذلك الطبعات الأخرى، أما في سنن الترمذي فقد أشرت إلى وجود بعض الصعوبة، كذلك الحال في النسائي، ولكن بالممارسة يستطيع الباحث أن يتغلب على هذه الصعوبة، خاصة أنه قد يوفر جهده على هذه الكتب التي يجد فيها صعوبة، أما الكتب الأخرى فإنه بمجرد أن يعرف طريقتها، يصبح العمل لديه آلياً سهلاً.